ورغم ذلك فقد بقي لأهل السنة والجماعة أهل الأثر والاتباع للسلف الصالح مكانتهم المرموقة ، واحترام أولي الأمر من العلماء والحكام لهم وعدم قبولهم لطعن العامّة في مذهبهم (١). وكان لتأييد الخليفة العباسي [القادر بالله] الذي تولى الخلافة من سنة ٣٧١ ه إلى سنة ٤٢٢ ه (٢) وابنه [القائم بالله] الذي تولى الخلافة
__________________
(١) يذكر ابن كثير في أحداث سنة ٤٦٩ ه أن الخليفة قد جمع في أعقاب كلام القشيري على الحنابلة ورميه إياهم بالتجسيم ـ بين أطراف القضيّة عند الوزير نظام الملك ، فأقبل الوزير على أبي جعفر بن أبي موسى شيخ الحنابلة يعظمه في الفعال والمقال ، وقام إليه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي مدرّس النظامية يعتذر إليه فقال : أنا ذلك الذي كنت تعرفه وأنا شاب .. ثم قبّل رأس أبي جعفر. فقال له أبو جعفر : صدقت إلا أنك لما كنت فقيرا لم تظهر لنا ما في نفسك ، فلما جاء الأعوان والسلطان ونظام الملك وشبعت أبديت ما كان مختفيا في نفسك. وقام أبو سعد الصوفي وقبل رأس أبي جعفر أيضا. وتلطّف به فالتفت إليه مغضبا وقال : أيها الشيخ أما الفقهاء إذا تكلموا في مسائل الأصول فلهم فيها مدخل ، وأما أنت فصاحب لهو وسماع وتغيير ، فمن زاحمك منا على باطلك؟ ثم قال : أيها الوزير : أنّى تصلح بيننا ونحن نوجب ما نعتقده وهم يحرمون ويكفرون؟ وهذا جدّ الخليفة القائم والقادر قد أظهرا اعتقادهما للناس على رءوس الأشهاد على مذهب أهل السنة والجماعة والسلف ونحن على ذلك. فأرسل الوزير إلى الخليفة المقتدي بأمر الله يعلّمه بما جرى ، فجاء الجواب بشكر الجماعة وخصوصا أبا جعفر بن أبي موسى شيخ الحنابلة ، وبعد عدّة أشهر ورد كتاب من نظام الملك إلى أبي إسحاق الشيرازي في جواب كتابه إليه الذي شكا فيه الحنابلة ، وجاء الرد : بأنه لا يمكن تغيير المذاهب ولا نقل أهلها عنها ، والغالب على تلك الناحية هو مذهب الإمام أحمد ـ يعني في الاعتقاد ـ ومحله معروف عند الأئمة والناس وقدره معلوم في السّنّة.
انظر : البداية والنهاية (١٢ / ١٢٣).
(٢) قال عنه ابن كثير : كان الخليفة القادر بالله من خيار الخلفاء وسادات العلماء في ذلك الزمان ، وكان كثير الصدقة حسن الاعتقاد وصنف قصيدة في فضائل الصحابة .. وكان على طريقة السلف في الاعتقاد ، وله في ذلك مصنفات كانت تقرأ على الناس و.. وكان .. محبّا للسنة وأهلها مبغضا للبدعة وأهلها.
انظر : البداية والنهاية (١١ / ٣٣٠) و (١٢ / ٣٤) بتصرف يسير.
وذكر في موضع آخر أنه صنّف كتابا فيه الرد على أهل البدع وتفسيق من قال بخلق ـ