أبي الوفاء بن عقيل ، وهو من كبراء الحنابلة بتردده على أبي علي بن الوليد المعتزلي (١) ، الذي كان شيخا للمعتزلة ، فأنكر عليه أهل السنة تدريس المذهب ، فلزم بيته خمسين سنة إلى أن توفي سنة ٤٧٨ ه (٢).
ومع ذلك فقد خلّف المعتزلة ـ أثناء فترة علو أمرهم واشتهاره باعتناق الخليفة المأمون لمذهبهم ، وحمل الناس عليه ـ إرثا علميّا كبيرا ، ولا سيما مع نبوغ بعض أشياخهم في علوم اللغة والبيان والنحو والإعراب إلى الحد الذي جعل مفسرا شهيرا كالراغب الأصفهاني يكثر من النقل عن أئمتهم : كالجبّائي والنّظام وأبي الهذيل العلّاف والبلخي وأبي مسلم الأصفهاني والجاحظ وغيرهم ، على سبيل المناقشة والرد حينا ، وعلى سبيل التأييد والاستشهاد في أحايين أخرى ، كما سيأتي بيانه لاحقا.
ومن الواضح أن عصر [الراغب الأصفهاني] قد شهد ظهورا واضحا لمذهب [الأشاعرة] ، ولا سيما مع تبنّي كثير من العلماء المبرزين له ، وتأييدهم إياه ، بل وتشنيعهم على مخالفيه (٣).
__________________
(١) انظر : المصدر السابق (١٢ / ١٠٤).
(٢) انظر : المصدر السابق (١٢ / ١٣٧).
(٣) من ذلك ما وقع في سنة ٤٦٩ ه حين قدم أبو نصر بن أبي القاسم القشيري بغداد ، فجلس يعظ الناس في المدرسة النظاميّة ـ التي بناها نظام الملك وزير السلطان السلجوقي ملكشاه. فقرر القشيري للناس مذهب الأشعري ونصره ، وأخذ يذم الحنابلة وينسبهم إلى التجسيم ، وساعده أبو سعد الصوفي ومال معه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي ، الذي كان يتولى التدريس بالنظامية ، وكتب إلى نظام الملك يشكو إليه الحنابلة ، ويسأله المعونة عليهم ، وذهب أتباعه والمتعصبون له إلى شيخ الحنابلة في وقته أبي جعفر بن أبي موسى وهو في مسجده ، فدافع عنه آخرون ، واقتتل الناس بسبب ذلك ، وجرت بين الطائفتين أمور عظيمة. انظر : الكامل (٨ / ١٢٤) ، والبداية والنهاية (١٢ / ١٢٢).