بالاستقامة على آكد وجه وأبلغه لأنه جعل كالتفسير والبيان له فكأنه من البين الذي لا خفاء فيه أنّ الطريق المستقيم ما يكون طريق المؤمنين وهذا هو الموافق لما خرّج ابن جرير عن ابن عباس ، إن المراد بالذين أنعمت عليهم الأنبياء والملائكة والصدّيقون والشهداء ومن أطاعه وعبده وقيل : الذين أنعمت عليهم الأنبياء خاصة صلوات الله وسلامه عليهم ، وقيل : أصحاب موسى وعيسى قبل التحريف والنسخ.
تنبيه : أطلق الإنعام ليشمل كل إنعام لأنّ من أنعم الله عليه بنعمة الإسلام لم تبق نعمة إلا أصابته واشتملت عليه ويبدل من الذين بصلته. (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) وهم اليهود ، لقوله تعالى فيهم : (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ) [المائدة ، ٦٠] (وَلَا) أي : وغير (الضَّالِّينَ) وهم النصارى ، لقوله تعالى : (قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا) [المائدة ، ٧٧] الآية ، ونكتة البدل إفادة أنّ المهتدين ليسوا يهودا ولا نصارى وقيل : إنّ غير صفة على معنى أنهم جمعوا بين النعمة المطلقة وهي نعمة الإيمان وبين السلامة من غضب الله تعالى والضلال ، وقيل : المغضوب عليهم هم الكفار والضالون هم المنافقون ؛ وذلك لأنه تعالى بدأ في أوّل البقرة بذكر المؤمنين والثناء عليهم في خمس آيات ثم أتبعه بذكر الكفار وهو المراد من قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) [البقرة ، ٦] ثم أتبعهم بذكر المنافقين وهو قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ) [البقرة ، ٨] إلخ .. وكذا ههنا بدأ بذكر المؤمنين وهو قوله : (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) ثم أتبعهم بذكر الكفار وهو قوله (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) ثم أتبعهم بذكر المنافقين بقوله : (وَلَا الضَّالِّينَ.)
فإن قيل : كيف صح أن يقع غير صفة للمعرفة وهو لا يتعرّف وإن أضيف إلى المعارف؟ أجيب : بأنه يصح بأحد تأويلين ؛ أحدهما : إجراء الموصول مجرى النكرة إذ لم يقصد به معهود كالمحلى باللام في قول القائل (١) :
ولقد أمرّ على اللئيم يسبني
أي : لئيما يسبني إذ لا مرور على الكل ، والثاني : جعل غير معرفة بالإضافة لأنه أضيف إلى ما له ضدّ واحد وهو المنعم عليه فليس في غير إذن الإبهام الذي يأبى عليه أن يتعرّف.
تنبيه : إنما سمى كل من اليهود والنصارى بما ذكر مع أنه مغضوب عليه وضالّ لاختصاص كل منهما بما غلب عليه ، وقال صلىاللهعليهوسلم : «إن المغضوب عليهم اليهود وإنّ الضالين النصارى» (٢) رواه
__________________
(١) عجز البيت :
فمضيت ثمّت قلت لا يعنيني
والبيت من الكامل ، وهو لرجل من سلول في الدرر ١ / ٧٨ ، وشرح التصريح ٢ / ١١ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣١٠ ، والكتاب ٣ / ٢٤ ، والمقاصد النحوية ٥ / ٥٨ ، ولشمر بن عمرو الحنفي في الأصمعيات ص ١٢٦ ، ولعميرة بن جابر الحنفي في حماسة البحتري ص ١٧١ ، وبلا نسبة في الأزهية ص ٢٦٣ ، والأشباه والنظائر ٣ / ٩٠ ، والأضداد ص ١٣٢ ، وأمالي ابن الحاجب ص ٦٣١ ، وأوضح المسالك ٣ / ٢٠٦ ، وجواهر الأدب ص ٣٠٧ ، وخزاة الأدب ١ / ٣٥٧ ، والخصائص ٢ / ٣٣٨ ، والدرر ٦ / ١٥٤ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٢٢١ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٤١ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٧٥ ، والصاحبي في فقه اللغة ص ٢١٩ ، ولسان العرب (ثمم) (مني) ، ومغني اللبيب ١ / ١٠٢ ، و ٢ / ٤٢٩ ، ٦٤٥ ، وهمع الهوامع ١ / ٩ ، و ٢ / ١٤٠.
(٢) أخرجه الترمذي حديث ٢٩٥٣ ، وابن حبان في صحيحه حديث ٧٢٠٦ ، والطبراني في المعجم الكبير ١٧ / ٢٣٧.