نون الهوان من الهوى مسروقة |
|
فأسير كل هوى أسير هوان |
وقال آخر أيضا (١) :
إن الهوى لهو الهوان بعينه |
|
فإذا هويت فقد لقيت هوانا |
(وَأَضَلَّهُ اللهُ) أي : بما له من الإحاطة (عَلى عِلْمٍ) منه تعالى أي : عالما بأنه من أهل الضلالة قبل خلقه (وَخَتَمَ) زيادة على الإضلال الخاص (عَلى سَمْعِهِ) فلا فهم له في الآيات المسموعة (وَقَلْبِهِ) أي : فهو لا يعي ما فى حقه وعيه.
(وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) أي : ظلمة فلا يبصر الهوى ويقدر هنا المفعول الثاني لرأيت أي : أيهتدي ، وقرأ حمزة والكسائي بفتح الغين وسكون الشين ، والباقون بكسر الغين وفتح الشين وألف بعد الشين وإذا صار بهذه المثابة (فَمَنْ يَهْدِيهِ) وأشار تعالى إلى قدرته عليه بقوله سبحانه وتعالى (مِنْ بَعْدِ اللهِ) أي : إن أراد الله إضلاله الذي له الإحاطة بكل شيء أي : لا يهتدي (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) أي : ألم يكن لكم نوع تذكر فتتعظوا وفيه إدغام إحدى التاءين في الذال.
(وَقالُوا) أي : في إنكارهم البعث مع اعترافهم بأنه تعالى قادر على كل شيء (ما هِيَ) أي : الحياة (إِلَّا حَياتُنَا) أي : أيها الناس (الدُّنْيا) أي : هذه التي نحن فيها (نَمُوتُ وَنَحْيا) ، فإن قيل : الحياة متقدمة على الموت في الدنيا فمنكروا القيامة كان يجب أن يقولوا : نحيا ونموت فما السبب في تقديم ذكر الموت على الحياة؟ أجيب : من وجوه أولها : أن المراد بقولهم نموت أي : حال كونهم نطفا في أصلاب الآباء وأرحام الأمهات وبقولهم ونحيا ما حصل بعد ذلك في الدنيا ، ثانيها : نموت نحن ونحيا بسبب بقاء أولادنا ، ثالثها : قال الزجاج : الواو للاجتماع والمعنى : يموت بعض ونحيا بعض ، رابعها : قال الرازي : إنه تعالى قدم ذكر الحياة فقال (ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) ثم قال بعده (نَمُوتُ وَنَحْيا) يعني أن تلك الحياة منها ما يطرأ عليها الموت وذلك في حق الذين ماتوا ومنها ما لا يطرأ عليه الموت بعد ذلك وهو في حق الأحياء الذين لم يموتوا بعد ، وقال البيضاوي : يحتمل أنهم أرادوا به التناسخ أي : وهو أن روح الشخص إذا خرجت تنتقل إلى شخص آخر فيحيا بعد أن لم يكن فإنه عقيدة أكثر عبدة الأصنام (وَما يُهْلِكُنا) أي : بعد الحياة (إِلَّا الدَّهْرُ) أي : مر الزمان الطويل بغلبته علينا وطول العمر واختلاف الليل والنهار من دهره إذا غلبه (وَما) أي : قالوه والحال أنه ما (لَهُمْ بِذلِكَ) أي : المقول البعيد من الصواب وهو أنه لا حياة بعد هذه وأن الإهلاك منسوب إلى الدهر على أنه مؤثر بنفسه وأغرق في النفي فقال تعالى (مِنْ عِلْمٍ) أي : كثير ولا قليل (إِنْ) أي : ما (هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) أي : بقرينة أن الإنسان كلما تقدم في السن ضعف وأنه لم يرجع أحد من الموتى هذا ظنهم الفاسد.
روى أبو هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «قال الله تعالى : لا يقل ابن آدم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أرسل الليل والنهار فإذا شئت قبضتهما» (٢). وعنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا يسب أحدكم الدهر فإن الدهر هو الله تعالى ولا يقولن للعنب الكرم فإن الكرم هو الرجل المسلم» (٣).
__________________
(١) البيت لم أجده.
(٢) أخرجه مسلم في الألفاظ حديث ٢٢٤٦ ، وأحمد في المسند ٢ / ٣٩٣ ، والحاكم في المستدرك ٢ / ٤٥٣.
(٣) أخرجه مسلم في الألفاظ حديث ٢٢٤٧ ، وأحمد في المسند ٢ / ٢٧٢ ، وعبد الرزاق في المصنف ٢٠٩٣٦ ، ٢٠٩٣٧.