ويتخذون تلك الأنداد آلهة مزعومة ، ولم يبق لهم نصير ولا شفيع ، والأمر كله يومئذ لله تعالى. وهذا تنبيه على زوال ما يدعون أن تلك الشركاء شفعاء لهم عند الله ، وأن عبادتهم تقرّب إلى الله تعالى.
إن ما يلاقيه المشركون من خيبة الأمل بالأصنام ونحوها من المعبودات تبرهن للعقلاء أن السلطان في الحساب والثواب والعقاب لله وحده. وإذا كان الله وحده هو المحاسب للناس ، فهو المعبود بحق ، وما على الناس قاطبة إلا أن يوجهوا أنفسهم نحو ما يفيد ، ويمنع الضّرر ، وأنه لا شفاعة إطلاقا للأصنام ونحوها ، فهي تعلن البراءة من عابديها ومن عبادتهم الباطلة.
ألا فليستيقظ الضمير والعقل البشري ، وليعلم أن من بيده الخلق والرزق ، والإحياء والإماتة ، والحساب والثواب والعقاب ، هو الجدير بالعبادة والتعظيم ، والتّنزيه والتّقديس ، وطلب المدد منه سبحانه وتعالى.
مناقشة المشركين في وحدانيّة الله
ما من إنسان سوي عاقل إلا ويحسّ في أعماق نفسه بوجود الله الخالق ، ولا بدّ من أن يمرّ في خاطره يوما ما ومضة من تفكير أو شعور مرهف بأنه بأشد الحاجة إلى قدرة الله في تفريج كربه ، ونجاته من محنته ، وهذا ما كان مستقّرا في أذهان المشركين الوثنيّين وعقائدهم ، فإنهم كانوا يقرّون بوجود الله تعالى ، ولكنهم كانوا يسيئون التّصوّر ، فلا يوحّدون الله ، وإنما ينسبون إليه الشّركاء من الأوثان والأصنام وغيرها ، وهذا غاية الانحدار والهبوط في الفكر والتّصور والاعتقاد ، لذا ردّ الله عليهم في هذه الآيات لإثبات توحيد الألوهية وتوحيد الرّبوبية معا من غير انفصال : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ