استأنف جملة أخرى فقال (وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) يعني أن الملائكة الذين عنده لا يستكبرون عن عبادته لا يأنفون عنها ولا يتعاظمون ولا يستحسرون ، فيعيون وينقطعون ، يقال ؛ حسر واستحسر ، إذا تعب وأعيا ، بل عبادتهم وتسبيحهم كالنفس لبني آدم ، فالأول : وصف لعبيد ربوبيته. والثاني : وصف لعبيد إلهيته وقال تعالى : ٢٥ : ٦٣ ـ ٧٧ (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) إلى آخر السورة. وقال ٧٦ : ٦ (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) وقال ٣٨ : ١٧ (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ) وقال ٣٨ : ٤١ (وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ) وقال ٣٨ : ٤٥ (وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) وقال عن سليمان ٣٨ : ٣٠ (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) وقال عن المسيح ٤٣ : ٥٩ (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ) فجعل غايته العبودية لا الإلهية ، كما يقول أعداؤه النصارى ، ووصف أكرم خلقه عليه ، وأعلاهم عنده منزلة بالعبودية في أشرف مقاماته. فقال تعالى : ٢ : ٢٣ (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا) وقال تبارك وتعالى : ٢٥ : ١ (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ) وقال ١٨ : ١ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ) فذكره بالعبودية في مقام إنزال الكتاب عليه والتحدي بأن يأتوا بمثله ، وقال ٧٢ : ١٩ (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) فذكره بالعبودية في مقام الدعوة إليه. وقال ١٧ : ١ (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) فذكره بالعبودية في مقام الإسراء. وفي الصحيح عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال «لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم فإنما أنا عبد. فقولوا عبد الله ورسوله» وفي الحديث «أنا عبد آكل كما يأكل العبيد ، وأجلس كما يجلس العبيد» وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو قال «قرأت في التوراة صفة محمد صلىاللهعليهوسلم : محمد رسول الله ، عبدي ورسولي ، سميته المتوكل. ليس بفظّ ولا غليظ ، ولا صخّاب بالأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويغفر».