وقوله تعالى : (الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا) ، (الَّذِينَ) بدل من (الَّذِينَ) المتقدّم ، (لِإِخْوانِهِمْ) ، أي : لأجل إخوانهم ، أو في شأن إخوانهم المقتولين ، ويحتمل أن يريد : لإخوانهم الأحياء من المنافقين ، ويكون الضمير في «أطاعونا» للمقتولين ، وقعدوا : جملة في موضع الحال ، معترضة أثناء الكلام ، وقولهم : (لَوْ أَطاعُونا) ، يريدون : في ألّا يخرجوا ، وباقي الآية بيّن.
ثم أخبر سبحانه عن الشهداء ؛ أنهم في الجنّة أحياء يرزقون ، وعن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ؛ أنّه قال : «إنّ الله يطّلع على الشّهداء ، فيقول : يا عبادي ، ما تشتهون ، فأزيدكم؟ فيقولون : يا ربّنا ، لا فوق ما أعطيتنا ، هذه الجنّة نأكل منها حيث نشاء ، لكنّا نريد أن تردّنا إلى الدّنيا ، فنقاتل في سبيلك ، فنقتل مرّة أخرى ، فيقول سبحانه : قد سبق أنّكم لا تردّون» (١) ، والأحاديث في فضل الشّهداء كثيرة.
قال الفخر (٢) : والروايات في هذا الباب كأنّها بلغت حدّ التواتر ، ثم قال : قال بعض المفسّرين : أرواح الشّهداء أحياء ، وهي تركع وتسجد تحت العرش إلى يوم القيامة. انتهى.
والعقيدة أنّ الأرواح كلّها أحياء ، لا فرق بين الشهداء وغيرهم في ذلك إلّا ما خصّص الله به الشّهداء من زيادة المزيّة والحياة الّتي ليست بمكيّفة ، وفي «صحيح مسلم» ، عن مسروق قال ، سألنا ابن مسعود عن هذه الآية : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) ، فقال : أمّا أنا ، فقد سألت عن ذلك ، فقال ، يعني النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «أرواحهم في جوف طير خضر ، لها قناديل معلّقة بالعرش ، تسرح من الجنّة حيث شاءت ، ثمّ تأوي إلى تلك القناديل ...» (٣) الحديث إلى آخره ا ه.
ومن الآثار الصحيحة الدالّة على فضل الشّهداء ما رواه مالك في «الموطّا» ؛ أنه بلغه أنّ عمرو بن الجموح (٤) ، وعبد الله بن عمرو الأنصاريّين ثمّ السّلميّين كانا قد حفر السّيل
__________________
(١) أخرجه مسلم (٣ / ١٥٠٢) ، كتاب «الإمارة» ، باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة ، حديث (١٢١ / ١٨٨٧)
(٢) ينظر : «الفخر الرازي» (٩ / ٧٣)
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن سلمة الأنصاري ، السلمي.
من سادات الأنصار ، واستشهد بأحد.
قال ابن إسحاق في «المغازي» : كان عمرو بن الجموح سيدا من سادات بني سلمة ، وشريفا من أشرافهم ؛ وكان قد اتخذ في داره صنما من خشب يعظّمه ، فلما أسلم فتيان بني سلمة منهم ابنه معاذ ، ـ