الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨٨) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٨٩) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ)(١٩٠)
وقوله سبحانه : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا ...) الآية : ذهبت جماعة إلى أن الآية في المنافقين ، وقالت جماعة كبيرة : إنما نزلت في أهل الكتاب أحبار / اليهود ، قال سعيد بن جبير (١) : الآية في اليهود ، فرحوا بما أعطى الله آل إبراهيم من النبوّة والكتاب ، فهم يقولون : نحن على طريقهم ، ويحبّون أن يحمدوا بذلك ، وهم ليسوا على طريقهم (٢) ، وقراءة سعيد (٣) بن جبير : «بما أوتوا» ؛ بمعنى «أعطوا» (بضم الهمزة والطاء) ؛ وعلى قراءته يستقيم المعنى الذي قال ، والمفازة مفعلة من فاز يفوز ، إذا نجا ، وباقي الآية بيّن.
ثم دلّ سبحانه على مواضع النظر والعبرة ، فقال : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) ، أي : تعاقب الليل والنّهار ؛ إذ جعلهما سبحانه خلفة ، ويدخل تحت اختلافهما قصر أحدهما وطول الآخر ، وبالعكس ، واختلافهما بالنّور والظّلام ، والآيات : العلامات الدالّة على وحدانيّته ، وعظيم قدرته سبحانه.
قال الفخر (٤) : واعلم أنّ المقصود من هذا الكتاب الكريم جذب القلوب والأرواح عن الاشتغال بالخلق والاستغراق في معرفة الحقّ ، فلمّا طال الكلام في تقرير الأحكام ، والجواب عن شبهات المبطلين ، عاد إلى إثارة القلوب بذكر ما يدلّ على التوحيد والكبرياء والجلال ، وذكر الأدعية ، فختم بهذه الآيات بنحو ما في «سورة البقرة». انتهى.
(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٩١) رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ)(١٩٢)
__________________
(١) أخرجه الطبري (٣ / ٥٤٦) برقم (٨٣٣٦) ، وذكره ابن عطية (١ / ٥٥٢) ، والسيوطي في «الدر» (٢ / ١٩١) ، وعزاه لابن جرير.
(٢) أخرجه الطبري (٣ / ٥٤٦) برقم (٨٣٣٧) ، وذكره ابن عطية (١ / ٥٥٢) ، وذكره السيوطي في «الدر» (٢ / ١٩٢) ، وعزاه لابن جرير.
(٣) وقرأ بها علي فيما روي عنه.
ينظر : «الكشاف» (١ / ٤٥١) ، و «مختصر الشواذ» (٣٠) ، و «المحرر الوجيز» (١ / ٥٥٢)
(٤) ينظر : «مفاتيح الغيب» للرازي (٩ / ١٠٩)