ومخادعة المنافقين : هي لأولياء الله ، ففي الكلام حذف مضاف ؛ إذ لا يقصد أحد من البشر مخادعة الله سبحانه.
وقوله تعالى : (وَهُوَ خادِعُهُمْ) : عبارة عن عقوبتهم ، سمّاها باسم الذّنب ، وقال ابن
__________________
ـ احتج الحنفية : بعمومات الكتاب والسنة الواردة في حل البيع من غير فصل بين مسلم وكافر. وحيث حل الشراء للمسلم يحل للكافر بمقتضى العموم.
وأجيب : بأن تلك العمومات مخصصة في حق الكافر بقوله تعالى : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) [النساء : ١٤١] ، واحتجوا أيضا بأن شراء الكافر للعبد المسلم عقد صدر من أهله في محله ؛ لأن الكافر أهل للتصرف والعبد مال متقوم ، ولهذا صح للمسلم بيعه وشراؤه ، وإذا كان العقد كذلك كان صحيحا. أما دليل أن الكافر أهل للتصرف فهو ثبوت الملك له على العبد المسلم وميراثه له وبقاء ملكه عليه حينما يسلم ، وأما دليل جبر المشتري على البيع بعد صحة الشراء ، فهو احتمال أن يفعل الكافر بالمسلم فعلا لا يحل له نظرا للعداوة الدينية التي بينهما.
ونوقش هذا الدليل : بأن استدلالكم على صحة البيع بصحة الإرث غير مسلم من وجهين :
أحدهما : أن انتقال الملك في الإرث قهري ؛ لئلا يبقى الشيء بلا مالك ، ولا كذلك البيع ، فإنه اختياري ، إن لم يصح بقي على ملك صاحبه الأصلي.
الثاني : أن الإرث يفيد استدامة ملك والبيع ابتداءه ، والاستدامة أخف من الابتداء ، حتى صح إرث المسلم للخبر ؛ لكونه استدامة لا شراؤه ابتداء ، فظهر الفرق بينهما فلا يقاس أحدهما على الآخر.
حجة الجمهور : احتجوا أولا : بأن في تصحيح مثل هذا البيع طريقا لإثبات السبيل من الكافر على المسلم ؛ إذ به يتمكن من إذلاله بالاستخدام وهو محظور شرعا فيمتنع ما أدى إليه.
ونوقش : بكون السبيل غير حاصل بالجبر على بيعه بعد تصحيحه ، وأجيب : بنفي تصحيحه مع الجبر لعدم الفائدة فكان المنع ابتداء أولى.
واحتجوا ثانيا : بأن المقصود من الشراء هو استدامة الملك من المشتري على العين المشتراة وعدم خروجها من ملكه إلا برضاه ، ثم في تصحيح الشراء من الكافر للعبد المسلم ، مع جبره بعد ذلك على البيع إخلال بمقاصد النكاح. وعدم ترتب آثاره عليه ؛ فكان خليقا بالفساد دون الصحة ، ولهذا حظر عقد الزواج من المشركة للمسلم ؛ لعدم ترتب آثار النكاح عليه ، والبيع مثله.
ونوقش : بأن مثل هذا الشراء لم يخل عن الفائدة لو قلنا بتصحيحه مع الجبر ؛ إذ قد ظهرت بتمامه سلطة المالك على البيع وجاز له بيعه وانتقال ملكيته إليه ، وتصحيح عتقه إن أراد ، ومسألة الإذلال ممنوعة مع الجبر على البيع.
وأجيب : بأن تلك السلطة الحاصلة من مثل هذا الشراء كعدمها ؛ لقيام أمر الجبر مسلطا عليه. ولا شك أن الإذلال متحقق بمجرد انتقال ملكية العبد إلى الكافر ؛ لأنه حينئذ متمكن من استخدامه إن كان عبدا ، واستفراشها إن كانت أمة.
هذه أدلة الفريقين بالنظر فيها نجد : أن مذهب الجمهور هو الراجح في المسألة إذ لا معنى للتصحيح مع الجبر على البيع ، فكان المنع ابتداء أولى.
ينظر : «أثر الاختلاف في الأحكام» لشيخنا / بدران أبو العينين ، «المغني» لابن قدامة (٤ / ٤١) ، «بدائع الصنائع» (٥ / ١٤٢) ، «المبسوط» (٣ / ١٢٠).