قال ع (١) : والمحبّة : إرادة يقترن بها إقبال من النّفس وميل بالمعتقد ، وقد تكون الإرادة المجرّدة فيما يكره المريد ، والله تعالى يريد وقوع الكفر ، ولا يحبّه ، ومحبّة العبد لله تعالى يلزم عنها ، ولا بدّ أن يطيعه ، ومحبّة الله تعالى أمارتها للمتأمّل أن يرى العبد مهديّا مسدّدا ذا قبول في الأرض ، فلطف الله تعالى بالعبد ورحمته إيّاه هي ثمرة محبّته ، وبهذا النظر يفسّر لفظ المحبّة ؛ حيث وقعت من كتاب الله عزوجل.
(إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٤) إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(٣٥)
وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً ...) الآية : لما مضى صدر من محاجّة نصارى نجران ، والردّ عليهم وبيان فساد ما هم عليه ، جاءت هذه الآيات معلمة بصورة الأمر الذي قد ضلّوا فيه ، ومنبئة عن حقيقته ، كيف كانت ، فبدأ تعالى بذكر فضل آدم ومن ذكر بعده ، ثم خصّ امرأة عمران بالذكر ؛ لأنّ القصد وصف قصّة القوم إلى أن يبيّن أمر عيسى (عليهالسلام) ، وكيف كان ، وانصرف «نوح» ، مع عجمته وتعريفه ؛ لخفّة الاسم ؛ كهود ولوط ، قال الفخر (٢) هنا : اعلم أنّ المخلوقات على قسمين : مكلّف ، وغير مكلّف ، واتفقوا على أنّ المكلّف أفضل من غير المكلّف ، واتفقوا على أنّ أصناف المكلّفين أربعة : الملائكة ، والإنس ، والجنّ ، والشّياطين.
ت : تأمّله جعل الشياطين قسيما للجنّ. ا ه.
والآل ؛ في اللغة : الأهل ، والقرابة ، ويقال للأتباع ، وأهل الطّاعة : آل ، والآل ؛ في الآية : يحتمل الوجهين ، فإن أريد بالآل : القرابة ، فالتقدير أنّ الله اصطفى هؤلاء على عالمي زمانهم ، أو على العالمين جميعا ؛ بأن يقدّر نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوسلم من آل إبراهيم ، وإن أريد بالآل : الأتباع ، فيستقيم دخول أمّة نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوسلم في الآل ؛ لأنها على ملّة إبراهيم.
وقوله تعالى : (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) ، أي : متشابهين في الدّين ، والحال ، وعمران / هو رجل من بني إسرائيل ، وامرأة عمران اسمها حنّة ، ومعنى : (نَذَرْتُ) : جعلت لك ما في بطني محرّرا ، أي : حبيسا على خدمة بيتك ، محرّرا من كلّ خدمة وشغل من أشغال الدنيا ، والبيت الذي نذرته له هو بيت المقدس ، (فَتَقَبَّلْ مِنِّي) ، أي : ارض عنّي
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٤٢٢)
(٢) ينظر : «مفاتيح الغيب» (٨ / ١٨)