النّكث ، وحلّل تحليلا عامّا ، ثم استثنى استثناء بعد استثناء ، ثم أخبر عن قدرته وحكمته في سطرين ، ولا يستطيع أحد أن يأتي بهذا إلّا في أجلاد.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ)(٢)
وقوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) : خطاب للمؤمنين حقّا ؛ ألّا يتعدّوا حدود الله في أمر من الأمور ، قال عطاء بن أبي رباح : شعائر الله جميع ما أمر به سبحانه ، أو نهى عنه (١) ، وهذا قول راجح ، فالشعائر : جمع شعيرة ، أي : قد أشعر الله أنّها حدّه وطاعته ، فهي بمعنى معالم الله.
وقوله تعالى : (وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ) : أي : لا تحلّوه بقتال ولا غارة ، والأظهر أنّ الشهر الحرام أريد به رجب ؛ ليشتدّ أمره ، وهو شهر كان تحريمه مختصّا بقريش ، وكانت تعظّمه ، ويحتمل أنه أريد به الجنس في جميع الأشهر الحرم.
وقوله سبحانه : (وَلَا الْهَدْيَ) : أي : لا يستحلّ ولا يغار عليه ، ثم ذكر المقلّد منه تأكيدا ومبالغة في التنبيه على الحرمة في التّقليد ، هذا معنى كلام ابن (٢) عبّاس.
وقال الجمهور : الهدي عامّ في أنواع ما يهدى قربة ، والقلائد : ما كان النّاس يتقلّدونه من لحاء السّمر وغيره ؛ أمنة لهم.
وقال ص : (وَلَا الْقَلائِدَ) : أي : ولا ذوات القلائد ، وقيل : بل المراد القلائد نفسها ؛ مبالغة في النهي عن التعرّض للهدي. انتهى.
وقوله تعالى : (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) : أي : قاصدينه من الكفّار ؛ المعنى : لا تحلّوهم ، فتغيرون عليهم ، وهذا منسوخ ب «آية السّيف» ؛ بقوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة : ٥] فكلّ ما في هذه الآية ممّا يتصوّر في مسلم حاجّ ، فهو
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٣٩٢) برقم (١٠٩٤١) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٢ / ١٢٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤٥٠) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٣٩٥) برقم (١٠٩٥١) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤٤٩) ، وعزاه لابن جرير ، وابن أبي حاتم.