وألفاظ الآية تقتضي الموالاة بين الأعضاء ، قال مالك : هو فرض مع الذّكر ، ساقط مع النّسيان ، وروى الدّار قطنيّ في سننه : «من توضّأ ، فذكر اسم الله على وضوئه ، كان طهورا لجسده ، ومن توضّأ ، ولم يذكر اسم الله على وضوئه كان طهورا لأعضائه» (١). انتهى من «الكوكب الدري».
وكذلك تتضمّن ألفاظ الآية الترتيب ، و (فَاطَّهَّرُوا) أمر لواجد الماء عند الجمهور ،
__________________
ـ (أي : استدار وعلا) ، ومنه سميت الكعبة كعبة ؛ لاستدارتها ، وهذه صفة الكعب الذي قلناه لا الذي قالوه.
فإن قيل : البهائم لها في كل رجل كعب واحد ، فكذلك الآدمي ، قلنا : خلقة الآدمي خلاف خلقة البهيمة ؛ لأن كعب البهيمة فوق ساقها ، وكعب الآدمي في أسفله ، فلا يلزم اتفاقهما ، فليس لهؤلاء المخالفين حجة تذكر. وإذا علم أن الكعبين ما ذكر ، نقول : لا خلاف عندنا في أنه يجب إدخال الكعبين مع القدمين في الغسل ، فهما من محل الفرض ؛ وبه قال الجمهور ، وخالف فيه زفر ، وأبو بكر ابن داود ، وقالا : لا يجب غسل الكعبين.
ودليلنا : أولا : قوله تعالى : (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) [المائدة : ٦] ، تقريره : أن «إلى» إن كانت بمعنى «مع» ؛ كما في قوله تعالى : (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ) [البقرة : ١٤] ، أي : مع شياطينهم ، وكقوله تعالى : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) [آل عمران : ٥٢] أي : مع الله ، فدخول الكعبين في محل الفرض ظاهر ، وإن كانت حدّا وغاية ، فقد قال المبرد : إن الحد إذا كان من جنس المحدود ، دخل في جملته ، وإن كان من غير جنسه لم يدخل ، ألا تراهم يقولون : بعتك الثوب من الطرف إلى الطرف ، فيدخل الطرفان في المبيع ؛ لأنهما من جنسه ، وما معنا الحد فيه من جنس المحدود ، فيكون الكعبان داخلين في محل الفرصة وأيضا الإجماع ، والاحتياط ، وعدم إمكان بيان فاصل بين الكعبين والقدم ـ قرائن على دخولهما.
وثانيا : ما رواه مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنه توضأ ، فغسل يديه حتى أشرع في العضدين ، وغسل رجليه حتى أشرع في الساقين ، ثم قال : هكذا رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يتوضأ ، فثبت غسله صلىاللهعليهوسلم للكعبين ، وفعله بيان للوضوء المأمور ، ولم ينقل تركه ذلك.
واحتجوا أولا : بأن «إلى» لانتهاء الغاية ، وما يجعل غاية يكون خارجا ، ولذلك لم يدخل إمساك الليل في جملة الصيام في قوله تعالى : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) [البقرة : ١٨٧] فلم يدخل غسل الكعبين في جملة الغسل.
قلنا أولا : إنما لم يدخل إمساك الليل في جملة الصيام ؛ لأنه ليس من جنس النهار ، بخلاف ما معنا ، وثانيا : قيام القرينة على خروج الليل ، وهي عدم وجوب الوصال في الصوم.
واحتجوا ثانيا : بأن خروج الكعبين متيقن ، ودخولهما مشكوك فيه ، فيقدم اليقين على الشك.
قلنا أولا : لا نسلم أن الشك موجود ، فإنه قد رفع بالإجماع على وجوب غسل الكعبين ، ولو سلم فالاحتياط أولى.
ينظر : «المسح على الخفين» لشيخنا / محمد سيد أحمد.
(١) أخرجه الدار قطني (١ / ٧٤) ، كتاب «الطهارة» ، باب التسمية على الوضوء.