خطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وأمته ، والجمهور أنّ سبب هذه الآية أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، لمّا استعان بيهود في دية الرّجلين اللذين قتلهما عمرو بن أميّة الضّمريّ ، وصاحبه ، قالوا : نعم ، يا أبا القاسم ، انزل حتّى نصنع لك طعاما ، وننظر في معونتك ، فنزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ظلّ جدار وكان معه أبو بكر وعمر وعليّ ، فتآمرت يهود في قتله ، وقالوا : من رجل يظهر على الحائط ، فيصبّ عليه حجرا يشدخه ، فجاء جبريل ، فأخبر النّبيّ صلىاللهعليهوسلم الخبر ، فقام صلىاللهعليهوسلم من المكان ، وتوجّه إلى المدينة ، ونزلت الآية في ذلك ؛ ويترجّح هذا القول بما يأتي بعد من الآيات في وصف غدر يهود ، ونقضهم المواثيق.
(وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٢) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(١٣)
وقوله سبحانه : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) : هذه الآية المتضمّنة للخبر عن نقضهم مواثيق الله تعالى ـ تقوّي أنّ الآية المتقدّمة في كفّ الأيدي ، إنّما كانت في / أمر بني النّضير ، والإجماع على أنّ النقيب كبير القوم ، القائم بأمورهم ، قال قتادة وغيره : هؤلاء النّقباء قوم كبار من كلّ سبط ، تكفّل بكلّ واحد سبطه ، بأن يؤمنوا ويلتزموا التقوى (١).
قال ع (٢) : ونحو هذا كانت النقباء ليلة بيعة العقبة ، مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، والضمير في (مَعَكُمْ) ، لبني إسرائيل ، أي : معكم بنصري ، وحياطتي ، وتأييدي ، واللام في قوله : (لَئِنْ) : هي المؤذنة بمجيء القسم ، ولام القسم هي قوله : (لَأُكَفِّرَنَ) ؛ والدليل على أنّ هذه اللام إنما هي مؤذنة : أنّها قد يستغنى عنها أحيانا ، ويتمّ الكلام دونها ، ولو كانت لام قسم ، لم يترتّب ذلك ، وإقامة الصلاة : توفية شروطها ، والزكاة هنا : شيء من المال كان مفروضا عليهم فيما قال بعض المفسّرين ، (وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) : معناه : وقّرتموهم ، وعظّمتموهم ،
__________________
(١) ذكره ابن عطية في «تفسيره» ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤٧٢) وعزاه لعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن قتادة بنحوه.
(٢) ينظر ابن عطية في «المحرر الوجيز» (٢ / ١٦٨)