ونصرتموهم ، وقرأ عاصم (١) الجحدريّ : «وعزرتموهم» ـ خفيفة الزاي ـ ؛ حيث وقع ، وقرأ في «سورة الفتح» : «وتعزروه» ـ بفتح التاء ، وسكون العين ، وضمّ الزاي ـ ، وسواء السّبيل : وسطه ، وسائر ما في الآية بيّن ، والله المستعان.
وقوله تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً ...) الآية : أي : فبنقضهم ، والقسوة : غلظ القلب ، ونبوّه عن الرّقّة والموعظة ، وصلابته حتّى لا ينفعل لخير.
وقوله تعالى : (وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) : نصّ على سوء فعلهم بأنفسهم ، أي : قد كان لهم حظّ عظيم فيما ذكّروا به ، فنسوه ، وتركوه ، ثم أخبر تعالى نبيّه ـ عليهالسلام ـ ؛ أنه لا يزال في مستأنف الزّمان يطّلع على خائنة منهم ، وغائلة ، وأمور فاسدة.
قالت فرقة : خائنة : مصدر ، والمعنى : على خيانة ، وقال آخرون : معناه : على فرقة خائنة ، فهي اسم فاعل صفة لمؤنّث.
وقوله تعالى : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ) : منسوخ بما في «براءة» ، وباقي الآية بيّن.
(وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ)(١٤)
وقوله تعالى : (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى) : «من» : متعلّقة ب (أَخَذْنا) ، التقدير : وأخذنا من الذين قالوا : إنّا نصارى ميثاقهم ، ويحتمل أن تكون معطوفة على (خائِنَةٍ مِنْهُمْ) ، والأول أرجح ، وعلّق قولهم : «نصارى» بقولهم ودعواهم ؛ من حيث هو اسم شرعيّ يقتضي نصر دين الله ، وسمّوا به أنفسهم دون استحقاق.
وقوله سبحانه : (فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ) : أي : أثبتناها بينهم وألصقناها ، والإغراء : مأخوذ من الغراء الذي يلصق به ، وقال البخاريّ : الإغراء : التسليط. انتهى.
والضمير في (بَيْنَهُمُ) يحتمل أن يعود على اليهود ، والنصارى ؛ لأنّ العداوة بينهم موجودة مستمرّة ، ويحتمل أن يعود على النّصارى فقط ؛ لأنها أمّة متقاتلة بينها الفتن إلى يوم القيامة ، ثم توعّدهم بعذاب الآخرة ؛ إذ صنعهم كفر يوجب الخلود في النار.
__________________
(١) ورويت عن عمر بن الخطاب كما في الشواذ (ص ٣٨) ، وينظر : «المحتسب» (١ / ٢٠٨) ، و «المحرر الوجيز» (٢ / ١٦٨) ، و «البحر المحيط» (٣ / ٤٦٠) ، و «الدر المصون» (٢ / ٥٠٠)