و (ابْنَيْ آدَمَ) : هما لصلبه ، وهما هابيل وقابيل ، روت جماعة من المفسّرين منهم ابن مسعود ؛ أنّ سبب هذا التقريب أنّ حوّاء كانت تلد في كلّ بطن ذكرا وأنثى ، وكان الذّكر يتزوّج أنثى البطن الآخر ، ولا تحلّ له أخته توءمته ، فولدت مع قابيل أختا جميلة ، ومع هابيل أختا ليست كذلك ، فلمّا أراد آدم أن يزوّجها من هابيل ، قال قابيل : أنا أحقّ بأختي ، فأمره آدم ، فلم يأتمر ، فاتفقوا على التّقريب ، فتقبّل قربان هابيل ، ووجب أن يأخذ أخت قابيل ؛ فحينئذ : (قالَ لَأَقْتُلَنَّكَ) (١) ، وقول هابيل : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) : كلام ، قبله محذوف ، تقديره : ولم تقتلني ، وليس لي ذنب في قبول الله قرباني ، وإنما يتقبّل الله من المتّقين؟! وإجماع أهل السّنّة في معنى هذه الألفاظ : أنها اتقاء الشّرك ، فمن اتقاه ، وهو موحّد ، فأعماله التي تصدق فيها نيته مقبولة ، وأما المتّقي للشرك وللمعاصي ، فله الدرجة العليا من القبول / والختم بالرحمة ، علم ذلك بإخبار الله تعالى لا أنّ ذلك يجب على الله تعالى عقلا.
قلت :
قال ع : في معنى هذه الألفاظ (يعني حيث وقعت في الشرع) ، وأما في هذه الآية ، فليس باتّقاء شرك ؛ على ما سيأتي ، وقول هابيل : (ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ ...) الآية : قال عبد الله بن عمر ، وجمهور النّاس : كان هابيل أشدّ قوة من قابيل ، ولكنّه تحرّج (٢) ، وهذا هو الأظهر.
قال ع (٣) : ومن هنا يقوى أن قابيل إنما هو عاص ، لا كافر ؛ لأنه لو كان كافرا ، لم يكن للتحرّج هنا وجه ، و (تَبُوءَ) : معناه : تمضي متحمّلا ، وقوله : (بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) : قيل : معناه : بإثم قتلي وسائر آثامك ، وقيل : المعنى : بإثمي الذي يختصّ بي فيما فرط لي ، وهذا تأويل يعضده قول النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «يؤتى بالظّالم والمظلوم يوم القيامة ، فيؤخذ من حسنات الظّالم ، فتزاد في حسنات المظلوم حتّى ينتصف ، فإن لم تكن له حسنات ، أخذ من سيّئات المظلوم ، فتطرح عليه» (٤).
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٥٢٩) (١١٧١٨) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٨) ، وابن عطية (٢ / ١٧٩) والسيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤٨١) وعزاه لابن جرير ، عن ابن مسعود ، عن ناس من الصحابة.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٤ / ٥٣٢) (١١٧٣٠) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٩) ، وابن عطية (٢ / ١٧٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٤٨٤) وعزاه لابن جرير.
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٢ / ١٧٩)
(٤) تقدم تخريجه.