وانصرفوا إلى بلادكم ؛ حتّى يريكم زمن رأيه ، فأتوا النّبيّ صلىاللهعليهوسلم فقالوا : يا أبا القاسم ، قد رأينا ألّا نلاعنك ، وأن نبقى على ديننا ، وصالحوه على أموال ، وقالوا له : ابعث معنا رجلا من أصحابك ترضاه لنا ، يحكم بيننا في أشياء قد اختلفنا فيها من أموالنا ؛ فإنّكم عندنا رضى» (١).
قال ع (٢) : وفي ترك النصارى الملاعنة لعلمهم بنبوّة نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوسلم شاهد عظيم على صحّة نبوّته صلىاللهعليهوسلم عندهم ، ودعاء النّساء والأبناء أهزّ للنفوس ، وأدعى لرحمة الله للمحقّين ، أو لغضبه على المبطلين.
(إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللهُ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٢) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (٦٣) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)(٦٤)
وقوله تعالى : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ...) الآية : هذا خبر من الله تعالى ، جزم مؤكّد ، فصل به بين المختصمين ، والإشارة بهذا هي إلى ما تقدّم في أمر عيسى ـ عليهالسلام ـ ، والقصص معناه الإخبار.
وقال ص : (إِنَّ هذا لَهُوَ) : هذا ، إشارة إلى القرآن. ا ه.
واختلف المفسّرون من المراد بأهل الكتاب هنا.
فروى قتادة ، عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ؛ أنهم يهود المدينة (٣).
وقال ابن زيد وغيره : المراد نصارى نجران (٤).
قال ع (٥) : والذي يظهر لي أنّ الآية نزلت في وفد نجران ، لكن لفظ الآية يعمّهم ، وسواهم من النصارى واليهود ، وقد كتب النبيّ صلىاللهعليهوسلم بهذه الآية إلى هرقل عظيم الرّوم ، وكذا
__________________
(١) أخرجه الطبري (٣ / ٢٩٨) برقم (٧١٧٧) ، وذكره ابن عطية (١ / ٤٤٧)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٤٤٨)
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٣٠٠) برقم (٧١٨٧) وذكره ابن عطية في «تفسيره» (١ / ٤٤٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٧١) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن جرير عن قتادة.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ٣٠٠) برقم (٧١٩٢) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (١ / ٤٤٨)
(٥) ينظر : «المحرر الوجيز» (١ / ٤٤٨)