وغرضنا الذي امتثلناه في كتابنا هذا : أن نختصر ونكمل ، وأن نوضّح ونجمل ، وأن لا نستشهد على اللفظ المبتذل (١) ، ولا نكثر الدّلالة على الحرف المستعمل ، وأن لا نحشو كتابنا بالنحو وبالحديث والأسانيد. فإنّا لو فعلنا ذلك في نقل الحديث : لاحتجنا إلى أن نأتي بتفسير السلف ـ رحمة الله عليهم ـ بعينه ، ولو أتينا بتلك الألفاظ كان كتابنا كسائر الكتب التي ألفها نقلة الحديث ، ولو تكلّفنا بعد اقتصاص (٢) اختلافهم ، وتبيين معانيهم ، وفتق جملهم بألفاظنا ، وموضع الاختيار من ذلك الاختلاف ، وإقامة الدلائل عليه ، والإخبار عن العلة فيه ـ : لأسهبنا (٣) في القول ، وأطلنا الكتاب ، وقطعنا منه طمع المتحفّظ وباعدناه من بغية المتأدّب ، وتكلّفنا من نقل الحديث ، ما قد وقيناه وكفيناه.
وكتابنا هذا مستنبط من كتب المفسرين ، وكتب أصحاب اللغة العالمين. لم نخرج فيه عن مذاهبهم ، ولا تكلّفنا في شيء منه بآرائنا غير معانيهم ، بعد اختيارنا في الحرف أولى الأقاويل في اللغة ، وأشبهها بقصة الآية.
ونبذنا منكر التأويل ، ومنحول التفسير. فقد نحل قوم ابن عباس ، أنه قال في قول الله جل وعز (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) [سورة التكوير آية : ١] : إنها غوّرت ، من قول الناس بالفارسية : كوربكرد.
__________________
(١) البذلة والمبذلة : ما يمتهن من الثياب ، وابتذال الثوب وغيره امتهانه والتبذّل : ترك التصاون. (أنظر الصحاح ص ١٦٣٢).
(٢) قص أثره : تبعه من باب رد وقصصا أيضا ، ومنه قوله تعالى : (فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً) والقصّة الأمر والحديث ، وقد اقتص الحديث : رواه على وجهه (انظر مختار الصحاح ص (٥٣٨).
(٣) أسهب : أكثر الكلام فهو مسهب بفتح الهاء ولا يقال بكسر الهاء وهو نادر (انظر مختار الصحاح ص ٣١٨).