تعالى : (فَإِنْ طَلَّقَها) يعني الزوج الثاني بعد وطئها (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما) يعني على المرأة والزوج الأول (أَنْ يَتَراجَعا) يعني بنكاح جديد (إِنْ ظَنَّا) أي علما وأيقنا وقيل : إن رجوا لأن أحدا لا يعلم ما هو كائن إلّا الله تعالى : (أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللهِ) يعني يقيما بينهما الصلاح وحسن العشرة والصحبة وقيل : معناه إن علما أن نكاحها على غير دلسة ، والمراد بالدلسة التحليل.
فرعان : الأول : مذهب جمهور العلماء أن المطلقة بالثلاث لا تحل للزوج المطلقة منه بالثلاث إلّا بشرائط ، وهي أن تعتد منه ثم تتزوج بزوج آخر ويطأها ، ثم يطلقها ، ثم تعتد منه ، فإذا حصلت هذه الشرائط فقد حلت للأول وإلّا فلا ، وقال سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب : تحل بمجرد العقد والمذهب الأول هو الأصح ، واختلف العلماء في اشتراط الوطء هل ثبت بالكتاب أو بالسنة؟ على ثلاثة أقوال : الثالث وهو المختار أنه ثبت بهما (الثاني) إذا تزوج بالمطلقة ثلاثة ليحلها للأول فهذا نكاح باطل وعقد فاسد وبه قال : مالك وأحمد لما روي عن ابن مسعود عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «أنه لعن المحلل والمحلل له» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح وروي أنه قال هو التيس المستعار ولو تزوجها ولم يشترط في النكاح أنه يفارقها فالنكاح صحيح ويحصل به التحليل إذا طلقها وانقضت العدة غير أنه يكره إذا كان في عزمهما ذلك ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ، ودليل ذلك أن الآية دلت على أن الحرمة تنتهي بوطء مسبوق بعقد وقد وجد ذلك فوجب القول بانتهاء الحرمة ، وقال نافع : «أتى رجل إلى ابن عمر فقال : إن رجلا طلق امرأته ثلاثا فانطلق أخ له من غير مؤامرة فتزوجها ليحلها للأول فقال : لا إلّا نكاح رغبة ، كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم» وقوله تعالى : (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) يعني يعلمون ما أمرهم به ونهاهم عنه ، وإنما خص العلماء لأنهم هم الذين ينتفعون بذلك البيان.
(وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٣١))
قوله عزوجل : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) نزلت في ثابت بن يسار رجل من الأنصار طلق امرأته حتى إذا قرب انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها يقصد بذلك مضارّتها (فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَ) أي قاربن انقضاء عدتهن وشارفن منتهاها ، ولم يرد انقضاء العدة لأنه لو انقضت عدتها لم يكن للزوج إمساكها فالبلوغ هنا بلوغ مقاربة كما يقال : بلغ فلان البلد إذا قاربه وشارفه ، فهذا من باب المجاز الذي يطلق اسم الكل فيه على الأكثر. وقيل إن الأجل اسم للزمان فيحمل على الزمان الذي هو آخر زمان يمكن إيقاع الرجعة ، فيه بحيث إذا فات لا يبقى بعده مكنة إلى الرجعة وعلى هذا التأويل فلا حاجة لنا إلى المجاز (فَأَمْسِكُوهُنَ) أي راجعوهن (بِمَعْرُوفٍ) وهو أن يشهد على رجعتها وأن يراجعها بالقول لا بالوطء (أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) أي اتركوهن حتى تنقضي عدتهن فيملكن أنفسهن (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً) أي لا تقصدوا بالرجعة المضارة بتطويل الحبس. وقيل : كانوا يضاروهن لتفتدي المرأة منه بمالها (لِتَعْتَدُوا) أي لتظلموهن بمجاوزتكم في أمورهن حدود الله التي بينها لكم. وقيل معناه : لا تضاروهن على قصد الاعتداء عليهن (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) أي ضر نفسه بمخالفة أمر الله وتعريضها عذاب الله (وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً) يعني بذلك ما بين من حلاله وحرامه وأمره ونهيه في وحيه وتنزيله ، فلا تتخذوا ذلك استهزاء ولعبا ، فمن وجب عليه طاعة الله وطاعة رسوله ثم وصل إليه هذه الأحكام التي تقدم ذكرها في العدة والرجعة والخلع وترك المضارة فلا يتخذها هزوا ، ففيه تهديد عظيم ووعيد شديد ، وقيل : هو راجع إلى قوله فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، فكل من خالف أمرا من أمور الشرع فهو متخذ آيات الله هزوا. وقيل : كان