(وَالْآخِرَةِ) أي وأعذبهم في الآخرة بالنار (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) يعني مانعين يمنعونهم من عذابنا (وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) يعني بعيسى عليهالسلام وصدقوا بنبوته وأنه عبد الله ورسوله وكلمته (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) يعني عملوا بما فرضت عليهم وشرعت لهم (فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ) يعني جزاء أعمالهم لا ينقص منه شيء (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) أي لا يحب من ظلم غيره حقا له أو وضع شيئا في غير موضعه والمعنى أنه تعالى لا يرحمهم ولا يثني عليهم بجميل ثم قال تعالى : (ذلِكَ) يعني الذي ذكرته لك من أخبار عيسى وأمه مريم والحواريين وغير ذلك من القصص (نَتْلُوهُ عَلَيْكَ) أي نخبرك به يا محمد على لسان جبريل ، وإنما أضاف ما يتلوه جبريل عليهالسلام إلى نفسه سبحانه تعالى لأنه من عنده وبأمره من غير تفاوت أصلا فأضافه إليه (مِنَ الْآياتِ) يعني من القرآن وقيل الآيات يعني العلامات الدالة على نبوتك يا محمد لأنها أخبار لا يعلمها إلّا من يقرأ ويكتب أو نبي يوحى إليه وأنت أمي لا تقرأ ولا تكتب فثبت أن ذلك من الوحي السماوي الذي أنزل عليك (وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ) أي المحكم الممنوع من الباطل قيل المراد من الذكر الحكيم القرآن لأنه حاكم يستفاد منه. جميع الأحكام وقيل : الذكر الحكيم هو اللوح المحفوظ الذي منه تنزلت جميع كتب الله على رسله وهو لوح من درة بيضاء معلق بالعرش.
قوله عزوجل : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) الآية. أجمع أهل التفسير أن هذه الآية نزلت في محاجة نصارى وفد نجران قال ابن عباس : إن رهطا من أهل نجران قدموا على النبي صلىاللهعليهوسلم : كان فيهم السيد والعاقب فقالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم : ما شأنك تذكر صاحبنا فقال من هو؟ قالوا : عيسى تزعم أنه عبد الله فقال النبي صلىاللهعليهوسلم أجل إنه عبد الله فقالوا له : فهل رأيت له مثلا أو أنبئت به؟ ثم خرجوا من عنده فجاءه جبريل عليهالسلام فقال : قل لهم إذا أتوك إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب وقيل أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لهم : إنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول فغضبوا وقالوا : يا محمد هل رأيت إنسانا قط من غير أب؟ فأنزل الله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ) أي في الخلق والإنشاء في كونه خلقه من غير أب كمثل آدم في كونه خلقه من تراب من غير أب وأم ، ومعنى الآية أن صفة خلق عيسى من غير أب كصفة آدم في كونه خلقه من تراب لا من أب وأم ، فمن أقر بأن الله خلق آدم من التراب اليابس وهو أبلغ في القدرة ، فلم لا يقر بأن الله خلق عيسى من مريم من غير أب بل الشأن في خلق آدم أعجب وأغرب وتم الكلام عند قوله كمثل آدم لأنه تشبيه كامل ثم قال تعالى : خلقه من تراب فهو خير مستأنف على جهة التفسير لحال خلق آدم في كونه خلقه من تراب أي قدره جسدا من طين (ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ) أي أنشأه خلقا بالكلمة ، وكذلك عيسى أنشأه خلقا بالكلمة فعلى هذا القول ذكروا في الآية إشكالا وهو أنه تعالى قال : خلقه من تراب ثم قال له : كن فهذا يقتضي أن يكون خلق آدم متقدما على قوله كن ولا تكوين بعد الخلق. وأجيب عن هذا الإشكال بأن الله تعالى أخبر بأنه خلقه من تراب لا من ذكر وأنثى ثم ابتدأ خبرا آخر. فقال : إني أخبركم أيضا أني قلت له كن فكان من غير ترتيب في الخلق كما يكون في الولادة ، ويحتمل أن يكون المراد أنه تعالى خلقه جسدا من تراب ثم قال له : كن بشرا فكان يصح النظم وقيل : الضمير في قوله كن يرجع إلى عيسى عليهالسلام وعلى هذا إشكال في الآية. فإن قلت : كيف شبه عيسى عليهالسلام بآدم عليهالسلام وقد وجد عيسى من غير أب ووجد آدم من غير أب ولا أم. قلت : هو مثله في أحد الطرفين فلا يمنع اختصاصه دونه بالطرف الآخر من تشبيهه به ، لأن المماثلة مشاركة في بعض الأوصاف ولأنه شبه به في أنه وجد وجودا خارجا عن العادة المستمرة وهما في ذلك نظيران لأن الوجود من غير أب وأم أغرب في العادة من الوجود من غير أب ، فشبه الغريب بالأغرب ليكون أقطع للخصم وأحسم لمادة شبهته إذا نظر فيما هو أغرب مما استغربه. وحكي أن بعض العلماء أسر في بعض بلاد الروم فقال لهم : لم تعبدون عيسى؟ قالوا : لأنه لا أب له قال : فآدم أولى لأنه لا أب له ولا أم قالوا : وكان يحيي الموتى فقال : حزقيل أولى لأن عيسى أحيا