أربعة نفر وأحيا حزقيل أربعة آلاف : قالوا : وكان يبرئ الأكمه والأبرص قال : فجرجيس أولى لأنه طبخ وأحرق ثم قام سليما وقوله (كُنْ فَيَكُونُ) قال ابن عباس : معناه كن فكان فأريد بالمستقبل الماضي وقيل : معناه ثم قال له : كن وأعلم يا محمد أن قال له ربك كن فإنه يكون لا محالة.
(الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (٦١))
(الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) الذي أخبرتك به من تمثيل عيسى بآدم هو الحق من ربك (فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) أي من الشاكين إن ذلك كذلك وهذا خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم والمراد به أمته لأنه صلىاللهعليهوسلم لم يشك قط فهو كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) والمعنى فلا تكن من الممترين يا أيها السامع كائنا من كان لهذا التمثيل والبرهان الذي ذكر فهو من باب التهيج لزيادة الثبات والطمأنينة.
قوله عزوجل : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ) أي فمن جاد لك في عيسى وقيل في الحق (مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) يعني بأن عيسى عبد الله ورسوله (فَقُلْ تَعالَوْا) أي هلموا والمراد منه المجيء وأصله من العلو بالرأي والعزم كما تقول تعال نتفكر هذه المسألة (نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) أي يدع كل منا ومنكم إبناءه (وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) قيل : أراد بالأبناء الحسن والحسين وبالنساء فاطمة وبالنفس صلىاللهعليهوسلم وعليا رضي الله عنه وقيل هو على العموم لجماعة أهل الدين (ثُمَّ نَبْتَهِلْ) قال ابن عباس : نتضرع في الدعاء وقيل : معناه نجتهد ونبالغ في الدعاء. وقيل : معناه نلتعن والابتهال الالتعان يقال عليه بهلة الله أي لعنة الله (فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) يعني منا ومنكم في أمر عيسى قال المفسرون : لما قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذه الآية على وفد نجران ودعاهم إلى المباهلة قالوا : حتى نرجع وننظر في أمرنا ثم نأتيك غدا فلما خلا بعضهم ببعض قالوا للعاقب : وكان كبيرهم وصاحب رأيهم ما ترى يا عبد المسيح قال لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمدا نبي مرسل ، ولئن فعلتم ذلك لتهلكن فإن أبيتم إلّا الإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم فأتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقد احتضن الحسين وأخذ بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي يمشي خلفها والنبي صلىاللهعليهوسلم يقول لهم : إذا دعوت فأمنوا فلما رآهم أسقف نجران قال : يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل أهله لأزاله من مكانه فلا تبتهلوا فتهلكوا ، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة فقالوا : يا أبا القاسم قد رأينا أن لا نباهلك وأن نتركك على دينك وتتركنا على ديننا فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : فإن أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم فأبوا ذلك. فقال : إني أناجز فقالوا ما لنا بحرب العرب طاقة ولكنا نصالحك على ما لا تغزونا ولا تخيفنا ولا تردنا عن ديننا وأن نؤدي إليك في كل سنة ألفي حلة ألف في صفر وألف في رجب زاد في رواية وثلاثا وثلاثين درعا عادية وثلاثة وثلاثين بعيرا وأربعا وثلاثين فرسا غازية فصالحهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم على ذلك وقال : «والذي نفسي بيده إن العذاب تدلى على أهل نجران ولو تلاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي نارا ولا ستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على الشجر ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى هلكوا». فإن قلت ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلّا لتبيين الصادق من الكاذب منه ومن خصمه وذلك يختص به وبمن يباهله فما معنى ضم الأبناء والنساء في المباهلة. قلت ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه حيث استجرأ على تعريض أعزته وأفلاذ كبده وأحب الناس إليه ، فلذلك ضمهم في المباهلة ، ولم يقتصر على تعريض نفسه لذلك وعلى ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه مع أحبته وأعزته هلاك استئصال إن تمت المباهلة ، وإنما خص الأبناء والنساء لأنهم أعز الأهل وألصقهم بالقلب وربما فداهم الرجل بنفسه ، وحارب دونهم حتى يقتل وإنما قدمهم في الذكر على النفس لينبه بذلك على لطف مكانهم وقرب