وأصحابه الذين أسلموا من النصارى (وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ) أي المتمردون في الكفر ، وقيل إن الكافر قد يكون عدلا في دينه وهؤلاء مع كفرهم فاسقون. قوله عزوجل :
(لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (١١١) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (١١٢))
(لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً) سبب نزول هذه الآية أن رؤساء اليهود عمدوا إلى من آمن منهم مثل عبد الله بن سلام وأصحابه فآذوهم لإسلامهم فأنزل الله تعالى (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً) يعني لن يضركم أيها المؤمنون هؤلاء اليهود إلا أذى يعني باللسان من طعنهم في دينكم أو تهديد أو إلقاء شبهة وتشكيك في القلوب وكل ذلك يوجب الأذى والغم (وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ) يعني منهزمين مخذولين (ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) يعني لا يكون لهم النصر عليكم بل تنصرون عليهم وفيه تثبيت لمن أسلم من أهل الكتاب لأنهم كانوا يؤذونهم بالقول ويهددونهم ويوبخونهم فأعلمهم الله تعالى أنهم لا يقدرون أن يجاوزوا الأذى بالقول إلى غيره من الضرر ثم وعدهم الغلبة والانتقام منهم وأن عاقبتهم الخذلان والذل فقال تعالى : (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) يعني جعلت الذلة ملصقة بهم كالشيء يضرب على الشيء فيلتصق به ، والمراد بالذلة قتلهم وسبيهم وغنيمة أموالهم وقيل الذلة ضرب الجزية عليهم لأنهم ذلة وصغار وقيل ذلتهم أنك لا ترى في اليهود ملكا قاهرا ولا رئيسا معتبرا بل مستضعفون في جميع البلاد (أَيْنَما ثُقِفُوا) أي حيثما وجدوا وصودفوا (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ) يعني إلا بعهد من الله وهو أن يسلموا فتزول عنهم الذلة (وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ) يعني المؤمنين ببذل الجزية والمعنى ضربت عليهم الذلة في عامة الأحوال إلا في حال اعتصامهم بحبل الله وحبل الناس وهو ذمة الله وعهده وذمة المسلمين وعهدهم لا عزلهم إلا هذه الواحدة وهي التجائوهم إلى الذمة لما قبلوه من بذل الجزية. وإنما سمي العهد حبلا لأنه سبب يوصل إلي الأمن وزال الخوف (وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) يعني رجعوا بغضب من الله واستوجبوه وقيل أصله من البواء وهو المكان والمعنى أنهم مكثوا في غضب من الله وحلوا فيه (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ) يعني كما يضرب البيت على أهله فهم ساكنون في المسكنة غير خارجين منها قال الحسن المسكنة هي الجزية ، وذلك لأن الله تعالى أخرج المسكنة عن الاستثناء ، وذلك يدل على أنها باقية عليهم والباقي عليهم هو الجزية فدل على أن المسكنة هي الجزية ، وقيل المراد بالمسكنة هو أن اليهودي يظهر من نفسه الفقر وإن كان غنيا موسرا (ذلِكَ) إشارة إلى ما ذكر من ضرب الذلة والمسكنة والبوء بالغضب (بِأَنَّهُمْ) أي بسبب أنهم (كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) أي ذلك الذي نزل بهم بسبب عصيانهم لله عزوجل وتعديهم لحدوده فنزل بهم ما نزل قوله عزوجل :
(لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤))
(لَيْسُوا سَواءً) قال ابن عباس : لما أسلم عبد الله بن سلام وأصحابه قالت أحبار اليهود ما آمن محمد صلىاللهعليهوسلم إلا شرارنا ولو لا ذلك ما تركوا دين آبائهم فأنزل الله تعالى هذه الآية وفي قوله : (لَيْسُوا سَواءً) قولان أحدهما أنه كلام تام يوقف عليه والمعنى أهل الكتاب الذي سبق ذكرهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ليسوا سواء ، وقيل