معناه لا يستوي اليهود وأمة محمد صلىاللهعليهوسلم القائمة بأمر الله الثابتة على الحق. والقول الثاني أن قوله : (لَيْسُوا سَواءً) متعلق بما بعده ولا يوقف عليه وقوله : (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ) فيه اختصار وإضمار والتقدير ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة ومنهم أمة مذمومة غير قائمة فترك ذكر الأمة الأخرى اكتفاء بذكر أحد الفريقين وهذا على مذهب العرب أن ذكر أحد الضدين يغني عن ذكر الآخر قال أبو ذؤيب :
دعاني إليها القلب إني امرؤ لها |
|
مطيع فلا أدري أرشد طلابها |
أراد أم غير رشد فاكتفى بذكر أحد الرشدين دون الآخر. وقال الزّجاج : لا حاجة إلى إضمار الأمة المذمومة لأنه قد جرى ذكر أهل الكتاب بقوله : كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق فأعلم الله أن منهم أمة قائمة فلا حاجة بنا إلى أن نقول وأمة غير قائمة إنما ابتدأ بذكر فعل الأكثر منهم وهو الكفر والمشاقة ، ثم ذكر من كان مباينا لهم في فعلهم فقال : «ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة» قال ابن عباس : قائمة أي مهدية قائمة على أمر الله تعالى لم يضعوه ولم يتركوه ، وقيل قائمة أي عادلة وقيل قائمة على كتاب الله عزوجل وحدوده وقيل : قائمة في الصلاة (يَتْلُونَ آياتِ اللهِ) أي يقرءون كتاب الله عزوجل : (آناءَ اللَّيْلِ) يعني ساعاته (وَهُمْ يَسْجُدُونَ) يعني يصلون ، عبر بالسجود عن الصلاة لأن التلاوة لا تكون في السجود وقيل : هي صلاة التهجد بالليل وقيل هي صلاة العشاء لأن اليهود لا يصلونها وقيل يحتمل أنه أراد بالسجود الخضوع والخشوع لأن العرب تسمي الخشوع سجودا وقال عطاء في قوله تعالى : (لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ) يريد أربعين رجلا من أهل نجران من العرب واثنين وثلاثين من الحبشة وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى عليه الصلاة والسلام وصدقوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم وآمنوا به وكانوا عدة نفر من الأنصار منهم أسعد بن زرارة والبراء بن معرور ومحمد بن مسلمة وأبو قيس صرمة بن أنس كانوا قبل الإسلام موحدين يغتسلون من الجنابة ويقومون بما عرفوا من شرائع الحنيفية حتى جاءهم الله عزوجل بالنبي صلىاللهعليهوسلم فآمنوا به وصدقوه ، ثم وصفهم الله تعالى بصفات ما كانت في اليهود فقال : (يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) وذلك لأن إيمان أهل الكتاب فيه شرك ويصفون اليوم الآخر بغير ما يصفه المؤمنون ، وقيل إن الإيمان بالله يستلزم الإيمان بجميع أنبيائه ورسله واليهود يؤمنون ببعض الأنبياء ويكفرون ببعض والإيمان باليوم الآخر يستلزم الحذر من فعل المعاصي واليهود لا يحترزون منها فلم يحصل الإيمان الخالص بالله واليوم الآخر (وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) يعني غير مداهنين كما يداهن اليهود بعضهم بعضا. وقيل يأمرون بالمعروف يعني بتوحيد الله تعالى والإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم وينهون عن المنكر يعني عن الشرك وعن كتم صفة محمد صلىاللهعليهوسلم (وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) أي يبادرون إليها خوف الفوت وذلك أن من رغب في أمر سارع إليه وقام به غير متوان عنه وقيل يسارعون في الخيرات غير متثاقلين ولا كسالى (وَأُولئِكَ) إشارة إلى الموصوفين بما وصفوا به (مِنَ الصَّالِحِينَ) أي من جملة الصالحين الذين صلحت أحوالهم عند الله عزوجل ورضي عنهم واستحقوا ثناءه عليهم ، وذلك لأن الصلاح ضد الفساد فإذا حصل الصلاح للإنسان فقد حصل له أعلى الدرجات وأكمل المقامات وقيل يحتمل أن يراد بالصالحين المسلمون والمعنى أولئك الذين تقدم وصفهم من جملة المسلمين. قوله عزوجل :
(وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (١١٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١١٦) مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ