بخمسة آلاف من الملائكة لم يرد خمسة آلاف سوى الثلاثة المتقدمة بل أراد معهم فمن قال إن هذا الإمداد كان يوم بدر قال : إن الله تعالى أمدهم بألف فلما سمعوا أن كرز بن جابر المحاربي يريد أن يمد المشركين فشق على المسلمين ذلك قال النبي صلىاللهعليهوسلم للمسلمين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم الآية على تقدير أن يجيء للمشركين المدد ، فلما لم يمدوا لم يمد الله المسلمين بغير ألف وروى ابن الجوزي في تفسيره عن جبير بن مطعم عن علي بن أبي طالب قال : بينا أنا امتح من قليب بدر جاءت ريح شديدة لم أر أشد منها ثم جاءت ريح شديدة لم أر أشد منها إلّا التي قبلها ثم جاءت ريح شديدة لم أر أشد منها إلا التي كانت قبلها فكانت الريح الأولى جبريل نزل في ألفين من الملائكة وكانوا بين يدي النبي صلىاللهعليهوسلم وكانت الريح الثانية ميكائيل نزل في ألفين من الملائكة وكانوا عن يمين رسول الله صلىاللهعليهوسلم والريح الثالثة إسرافيل نزل في ألف من الملائكة عن يسار رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكنت عن يساره وهزم الله أعداءه ومن الناس من ضم العدد القليل إلى الكثير. فقال لأن الله تعالى ذكر الألف في سورة الأنفال وذكر هنا ثلاثة آلاف وخمسة آلاف فيكون المجموع تسعة آلاف ، وإن جعلناه على غزوة أحد فيكون المجموع ثمانية آلاف لأنه ليس فيها ذكر الألف المفردة (مُسَوِّمِينَ) قرئ بفتح الواو وبكسرها فمن فتح الواو أراد أن الله سومهم ومعناه معلمين قد سوموا فيهم مسومون والسومة والسيما العلامة وهذه العلامة يعلمها الفارس يوم اللقاء ليعرف بها قال عنترة :
فتعرفوني أنني أنا ذلكم |
|
شاكي سلاح في الحوادث معلم |
ومن كسر الواو نسب الفعل إلى الملائكة والمعنى أنهم أعلموا أنفسهم بعلامات مخصوصة أو أعلموا خيلهم واختلفوا في تلك العلامة فقال عروة بن الزبير : كانت الملائكة على خيل بلق وعليهم عمائم صفر. وقال علي وابن عباس : كان عليهم عمائم بيض قد أرسلوها بين أكتافهم وقال هشام بن عروة والكلبي : كانت عليهم عمائم صفر مرخاة على أكتافهم ، وقال قتادة والضحاك : كانوا قد أعلموا بالعهن يعني بالصوف المصبوغ في نواصي خيلهم وأذنابها وروي أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لأصحابه يوم بدر : «تسوموا فإن الملائكة قد تسومت بالصوف الأبيض في قلانسهم ومغافرهم» ذكره البغوي بغير سند وقيل كانت عمامة الزبير يوم بدر صفراء فنزلت الملائكة كذلك وقيل كانوا قد سوموا أنفسهم بسيما القتال. قوله تعالى :
(وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١٢٦) لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ (١٢٧) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (١٢٨))
(وَما جَعَلَهُ اللهُ) يعني هذا الوعد والمدد (إِلَّا بُشْرى لَكُمْ) يعني بشارة بأنكم تنصرون فتستبشرون به (وَلِتَطْمَئِنَ) أي ولتسكن (قُلُوبُكُمْ بِهِ) أي فلا تجزع من كثرة عدوكم وقلة عددكم (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) يعني لا تحيلوا النصر على الملائكة والجند وكثرة العدد ، فإن النصر من عند الله لا من عند غيره والغرض أن يكون توكلهم على الله لا على الملائكة الذين أمدوا بهم وفيه تنبيه على الإعراض عن الأسباب والإقبال على مسبب الأسباب (الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) يعني فاستعينوا به وتوكلوا عليه لأن العز وهو كمال القدرة والقوة والحكم وهو كمال العلم فلا تخفى عليه مصالح عباده (لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) هذا متعلق بقوله ولقد نصركم الله ببدر ، والمعنى أن المقصود من نصركم ببدر ليقطع طرفا أي ليهلك طائفة من الذين كفروا وقيل معناه ليهدم ركنا من أركان الشرك بالقتل والأسر فقتل يوم بدر من قادتهم وساداتهم سبعون وأسر سبعون ومن حمل الآية على غزوة أحد قال : قد قتل منهم ستة عشر وكان النصر فيه للمسلمين حتى خالفوا أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم (أَوْ يَكْبِتَهُمْ) أصل الكبت في اللغة صرع الشيء على وجهه والمعنى أنه يصرعهم على وجوههم والمراد منه القتل والهزيمة أو