الإهلاك أو اللعن والخزي (فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ) أي بالخيبة لم ينالوا شيئا من الذي أملوه من الظفر بكم.
قوله عزوجل : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ) اختلف في سبب نزول هذه الآية. فقيل : إنها نزلت في أهل بئر معونة وهم سبعون رجلا من القراء بعثهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى بئر معونة وهي بين مكة وعسفان وأرض هذيل وذلك في صفر سنة أربع من الهجرة على رأس أربعة أشهر من أحد بعثهم ليعلموا الناس القرآن والعلم وأمر عليهم المنذر بن عمرو فقتلهم عامر بن الطفيل فوجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم من ذلك وجدا شديدا وقنت شهرا في الصلوات كلها يدعو على جماعة من تلك القبائل باللعن (خ) عن ابن عمر أنه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر يقول : اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد فأنزل الله تعالى عليه ليس لك من الأمر شيء إلى قوله فإنهم ظالمون (ق) عن أبي هريرة قال : «لما رفع رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأسه من الركعة الثانية قال : اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين بمكة «اللهم اشدد وطأتك على مضر اللهم أجعلها عليهم سنين كسني يوسف» زاد في رواية : «اللهم العن فلانا وفلانا لأحياء من العرب حتى أنزل الله تعالى ليس لك من الأمر شيء الآية سماهم في رواية يونس اللهم العن رعلا وذكوان وعصية عصت الله ورسوله قال ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزل الله ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم ، فإنهم ظالمون وقيل إنها نزلت يوم أحد ثم اختلفوا في سببها فقيل : إن عتبة بن أبي وقاص شج وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكسر رباعيته. (ق) عن أنس بن مالك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كسرت رباعيته وشج في رأسه فجعل يسلت الدم عنه ويقول : «كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم إلى الله فأنزل الله تعالى : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ).
وقيل أراد النبي صلىاللهعليهوسلم أن يدعو عليهم بالاستئصال فنزلت هذه الآية وذلك لعلمه أن أكثرهم يسلمون وقيل إن النبي صلىاللهعليهوسلم لما وقف على عمه حمزة ورأى ما صنعوا به من المثلة أراد أن يدعو عليهم فنزلت هذه الآية. وقال العلماء : وهذه الأشياء كلها محتملة فلا يبعد حمل الآية في النزول على كلها ومعنى الآية ليس لك من أمر مصالح عبادي شيء الّا ما أوحى إليك ، فإن الله تعالى هو مالك أمرهم فإمّا أن يتوب عليهم ويهديهم فيسلموا أو يهلكهم ويعذبهم إن أصروا على الكفر. وقيل ليس لك مسألة هلاكهم والدعاء عليهم لأنه تعالى أعلم بمصالحهم فربما تاب على من يشاء منهم وقيل معناه ليس لك من أمر خلقي شيء إلّا ما وافق أمري إنما أنت عبد مبعوث لإنذارهم ومجاهدتهم ، وقيل إن قوله أو يتوب عليهم معطوف على قوله ليقطع طرفا وقوله ليس لك من الأمر شيء كلام معترض بين المعطوف والمعطوف عليه والتقدير ليقطع طرفا من الذين كفروا أو يكبتهم أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ليس لك من الأمر شيء بل الأمر أمري في ذلك كله. قال بعض العلماء : والحكمة في منعه صلىاللهعليهوسلم من الدعاء عليهم ولعنهم أن الله تعالى علم من حال بعض الكفار أنه سيسلم فيتوب عليهم أو سيولد من بعضهم ولد يكون مسلما برا تقيا فلأجل هذا المعنى منعه الله تعالى من الدعاء عليهم لأن دعوته صلىاللهعليهوسلم مجابة. فلو دعا عليهم بالهلاك هلكوا جميعا لكن اقتضت حكمة الله وما سبق في علمه إبقاءهم ليتوب على بعضهم وسيخرج من بعضهم ذرية صالحة مؤمنة ، ويهلك بعضهم بالقتل والموت وهو قوله أو يعذبهم فيحتمل أن يكون المراد بعذابهم في الدنيا وهو القتل والأسر وفي الآخرة وهو عذاب النار (فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ) هو كالتعليل لعذابهم والمعنى إنما يعذبهم لأنهم ظالمون ثم قال تعالى :
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٣٠))
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) هذا تأكيد لما قبله من قوله ليس لك من الأمر شيء. والمعنى إنما