قوله تعالى : (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ) قال ابن عباس : لما أخبر الله عزوجل المؤمنين على لسان نبيه صلىاللهعليهوسلم بما فعل بشهدائهم يوم بدر من الكرامة رغبوا في ذلك فتمنّوا قتالا يستشهدون فيه فيلحقون بإخوانهم فأراهم الله يوم أحد فلم يلبثوا أن انهزموا إلّا من شاء الله منهم فأنزل الله هذه الآية وقيل إن قوما من المسلمين تمنّوا يوما كيوم بدر ليقاتلوا فيه ويستشهدوا فأراهم الله يوم أحد ومعنى قوله له تمنون الموت أي تطلبون أسباب الموت وهو القتال والجهاد من قبل أن تلقوه أي من قبل أن تلقوا يوم أحد (فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ) يعني رأيتم ما كنتم تتمنّون والهاء في رأيتموه عائدة على الموت أي رأيتم أسبابه معاينين له شاهدين قتل من قتل من إخوانكم بين أيديكم (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) قيل ذكره تأكيدا. وقال الزجاج : معناه فقد رأيتموه وأنتم بصراء كما تقول : رأيت كذا وكذا وليس في عينك علة أي رأيته رؤية حقيقية وقيل : معناه وأنتم تنظرون ما تمنيتم فلم انهزمتم. قوله عزوجل :
(وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ (١٤٤))
(وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) قال أهل المغازي خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى نزل بالشعب من أحد في سبعمائة رجل وجعل عبد الله بن جبير على الرجالة وكانوا خمسين رجلا وقال : «أقيموا بأصل الجبل وانضحوا عنا بالنبل حتى لا يأتونا من خلفنا فإن كانت لنا أو علينا لا تبرحوا من مكانكم حتى أرسل إليكم فأنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم» وكانت قريش على ميمنتهم خالد بن الوليد وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبي جهل ومعهم النساء يضربن بالدفوف وينشدن الأشعار فقاتلوا حتى حميت الحرب وحمل النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه على المشركين فهزموهم وكان النبي صلىاللهعليهوسلم قد أخذ سيفا وقال : «من يأخذ هذا السيف بحقه ويضرب به العدو حتى يثخن» فأخذه أبو دجانة سماك بن خرشة الأنصاري فلما أخذه اعتم بعمامة حمراء وجعل يتبختر في مشيته فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنها لمشية يبغضها الله تعالى ورسوله إلّا في هذا الموضع» فلما نظرت الرماة إلى المشركين وقد انكشفوا ورأوا أصحابهم ينهبون الغنيمة أقبلوا يريدون النهب ، فلما رأى خالد بن الوليد قلة الرماة واشتغال المسلمين بالغنيمة ورأى ظهورهم خالية صاح في خيله وحمل على أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فهزموهم ورمى عبد الله بن قميئة رسول الله صلىاللهعليهوسلم بحجر فكسر أنفه ورباعيته وشجه في وجهه فأثقله وتفرق عنه أصحابه ونهض رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى صخرة ليعلوها فلم يستطع وكان قد ظاهر بين درعين فجلس تحته طلحة فنهض حتى استوى على الصخرة فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أوجب طلحة» ووقعت هند والنسوة معها يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يجدعن الآذان والأنوف حتى اتخذت من ذلك قلائد وأعطتها وحشيا وبقرت عن كبد حمزة رضي الله تعالى عنه وكان قد قتل يومئذ فأخذت منها قطعة فلاكتها فلم تسغها فلفظتها وأقبل عبد الله بن قميئة يريد قتل رسول الله صلىاللهعليهوسلم فذب عنه مصعب بن عمير رضي الله عنه وهو يومئذ صاحب راية رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقتله ابن قميئة وهو يرى أنه قتل رسول الله صلىاللهعليهوسلم فرجع وقال : إني قد قتلت محمدا وصاح صارخا ألا إن محمدا قد قتل ويقال إن الصارخ إبليس اللعين فانكفأ الناس وجعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إليّ عباد الله إليّ عباد الله» فاجتمع إليه ثلاثون رجلا فحموه حتى كشفوا عنه المشركين ورمى سعد بن أبي وقاص حتى اندقت سية قوسه ونثل له رسول الله صلىاللهعليهوسلم كنانته وقال : «ارم فداك أبي وأمي» وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد النزع كسر يومئذ قوسين أو ثلاثة وكان الرجل يمر معه جعبة النبل فيقول : «انثرها لأبي طلحة» وكان إذا رمى تشرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم ينظر موضع نبله وأصيبت يد طلحة بن عبيد الله فيبست حين وقى بها رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصيبت عين قتادة بن النعمان يومئذ حتى وقعت على وجنته فردها رسول الله صلىاللهعليهوسلم فعادت أحسن ما كانت فلما انصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم أدركه أبي بن خلف