محمدا صلىاللهعليهوسلم قد قتل وإن أمره يضمحل والمعنى يظنون بالله غير الظن الحق الذي يجب أن يظن به (ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) أي كظن أهل الجاهلية (يَقُولُونَ) يعني المنافقين (هَلْ لَنا) أي مالنا (مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) وذلك أنه لما شاور النبي صلىاللهعليهوسلم عبد الله بن أبيّ ابن سلول رأس المنافقين في هذه الواقعة وأشار عليه أن لا يخرج من المدينة فلما خالفه النبي صلىاللهعليهوسلم وخرج وقتل من قتل قيل لعبد الله بن أبيّ قد قتل بنو الخزرج قال هل لنا من الأمر شيء وهو استفهام على سبيل الإنكار أي مالنا أمر يطاع. وقيل المراد بالأمر النصر والظفر يعني ما لنا من هذا الذي يعدنا محمد به من النصر والظفر من شيء إنما هو للمشركين (قُلْ) يا محمد لهؤلاء المنافقين (إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) يعني النصر والظفر والقضاء والقدر كله لله وبيده يصرفه كيف يشاء ويدبره كيف أحب (يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ) يعني من الكفر والشك في وعد الله عزوجل وقيل يخفون الندم على خروجهم مع المسلمين وقيل الذي أخفوه وهو قوله تعالى حكاية عنهم : (يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا) وذلك أن المنافقين قال بعضهم لبعض لو كان لنا عقول لم نخرج مع محمد إلى قتال أهل مكة ولم تقتل رؤساؤنا. وقيل كانوا يقولون لو كنا على الحق ما قتلنا هاهنا. وعن ابن عباس في قوله تعالى : (يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِ) يعني التكذيب بالقدر وهو قولهم : «لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا» قيل إن الذي قال هل لنا من الأمر من شيء هو عبد الله بن أبيّ ابن سلول المنافق والذي قال لو كان لنا من الأمر شيء هو معتب بن قشير (قُلْ) أي قل يا محمد لهؤلاء المنافقين (لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ) أي قضى عليهم القتل وقدر عليهم (إِلى مَضاجِعِهِمْ) يعني مصارعهم التي يصرعون بها وقت القتل ومعنى الآية أن الحذر لا ينفع مع القدر والتدبير لا يقاوم. التقدير فالذين قدر عليهم القتل وقضاه وحكم به عليهم لا بد وأن يقتلوا والمعنى لو جلستم في بيوتكم لخرج منها ولظهر الذين قضى الله عليهم بالقتل وقضاه إلى حيث يقتلون فيه (وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ) أي وليختبر ما في صدوركم ليعلّمه مشاهدة ، كما علمه غيبا لأن المجازاة إنما تقع على ما علمه مشاهدة وقيل معناه ليعاملكم معاملة المبتلي المختبر لكم وقيل معناه ليبتلي أولياء الله ما في صدوركم فأضاف الابتلاء إليه تعظيما لشأن أوليائه المؤمنين (وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ) قال قتادة أي يطهرها من الشك والارتياب بما يريكم من عجائب صنعه في إلقاء الأمنة وصرف العدو وإظهار سرائر المنافقين فعلى هذا يكون الخطاب للمؤمنين خاصة. وقيل معناه وليبين ويظهر ما في قلوبكم يعني من الاعتقاد لله ولرسوله وللمؤمنين من العداوة فعلى هذا يكون الخطاب للمنافقين خاصة (وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) يعني بالأشياء الموجودة في الصدور وهي الأسرار والضمائر لأنه عالم بجميع المعلومات. قوله عزوجل :
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٥٥) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١٥٦))
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) أي انهزموا وهربوا منكم يا معشر المسلمين فهو خطاب لمن كان مع النبي صلىاللهعليهوسلم من المؤمنين يوم أحد بأحد وكان قد انهزم أكثر المسلمين ولم يبق مع النبي صلىاللهعليهوسلم إلا ثلاثة عشر رجلا وقيل أربعة عشر من المهاجرين سبعة ومن الأنصار سبعة ، فمن المهاجرين أبو بكر وعمر وعلي وطلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ) أي طلب زلتهم كما يقال استعجله أي طلب عجلته وقيل حملهم على الزلة وهي الخطيئة وذلك بإلقاء الوسوسة في قلوبهم