بغم بمعنى مع أو بمعنى على لأن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض. وقيل الباء على بابها والمعنى غما متصلا بغم واختلفوا في معنى الغمين فقيل الغم الأول هو ما فاتهم من الظفر والغنيمة والغم الثاني هو ما نالهم من القتل والهزيمة وقيل الغم الأول ما أصابهم من القتل والجراح والغم الثاني هو ما سمعوا بأن محمدا صلىاللهعليهوسلم قد قتل فأنساهم غمهم. وقيل الغم الأول هو أنهم غموا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمخالفة أمره فجزاهم الله بذلك الغم القتل والهزيمة. وقيل إن غمهم الأول بسبب إشراف خالد بن الوليد مع خيل المشركين عليهم والغم الثاني حين أشرف أبو سفيان عليهم. وذلك أن أبا سفيان وأصحابه وقفوا بباب الشعب فلما نظر المسلمون إليهم غمهم ذلك وظنوا أنهم يميلون عليهم فيقتلونهم فأغمهم ذلك. قوله تعالى : (لِكَيْلا) في لفظة لا قولان : أحدهما أنها باقية على أصلها ومعناها النفي هذا يكون الكلام متصلا بقوله ولقد عفا عنكم والمعنى ولقد عفا عنكم لكيلا (تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ) لأن عفوه يذهب كل هم وحزن وقيل معناه فأثابكم غما أنساكم الحزن على ما فاتكم ولا ما أصابكم وقد روي أنهم لما سمعوا بأن النبي صلىاللهعليهوسلم قد قتل نسوا ما أصابهم وما فاتهم والقول الثاني أن لفظة لا صلة ومعنى الكلام لكي تحزنوا على ما فاتكم وأصابكم عقوبة لكم على مخالفتكم. قال ابن عباس : الذي فاتهم الغنيمة والذي أصابهم القتل والهزيمة (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) أي هو عالم بجميع أعمالكم خيرها وشرها فيجازيكم عليها. قوله عزوجل :
(ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٥٤))
(ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ) يا معشر المسلمين (مِنْ بَعْدِ الْغَمِ) الذي أصابكم (أَمَنَةً نُعاساً) يعني أمنا والأمنة والأمن واحد وقيل الأمن يكون مع زوال الخوف والأمنة مع بقاء سبب الخوف. وكان سبب الخوف يعد باقيا ، والنعاس أخف من النوم والمعنى أعقبكم بما نالكم من الخوف والرعب أن أمّنكم أمنا تنامون معه لأن الخائف لا يكاد ينام فأمّنهم بعد خوفهم (يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ) قال ابن عباس : أمّنهم يومئذ بنعاس يغشاهم وإنما ينعس من يأمن والخائف لا ينام (خ) عن أنس عن أبي طلحة قال : كنت فيمن يغشاهم النعاس يوم أحد حتى سقط سيفي من يدي مرارا يسقط وآخذه ويسقط فآخذه. وأخرجه الترمذي عنه قال : غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد وذكر نحو رواية البخاري وزاد والطائفة الأخرى المنافقون ليس لهم هم إلا أنفسهم أجبن قوم وأرعبه وأخذ له للحق. وفي رواية أخرى له قال رفعت رأسي يوم أحد فجعلت أراهم وما منهم يومئذ أحد إلا يميد تحت حجفته من النعاس فذلك قوله تعالى ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا. وقال الزبير بن العوام لقد رأيتني مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين اشتد علينا الخوف أرسل الله تعالى علينا النوم والله إني لأسمع قول معتب بن قشير والنعاس يغشاني ما أسمعه إلا كالحلم يقول لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلناها هنا فقوله تعالى : (يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ) يعني المؤمنين (وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) يعني المنافقين أراد الله يميز المؤمنين من المنافقين فأوقع النعاس على المؤمنين حتى أمنوا ولم يوقع النعاس على المنافقين فبقوا في الخوف. وفي إلقاء النعاس على المؤمنين دون المنافقين آية عظيمة ومعجزة باهرة لأن النعاس كان سبب أمن المؤمنين وعدم النعاس عن المنافقين كان سبب خوفهم وهو قوله تعالى : (وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) يعني حملتهم أنفسهم على الهم لأن أسباب الخوف وهي قصد الأعداء كانت حاصلة عندهم (يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِ) يعني يظنون أن الله لا ينصر محمدا وأصحابه وقيل إن