(خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ) ثم قال تعالى : (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ) ليزدادوا إثما يعني إنما نمهلهم ونؤخر في آجالهم ليزدادوا إثما (وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) يعني في الآخرة روى البغوي بسنده عن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه قال سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم أيّ الناس خير؟ قال : من طال عمره وحسن عمله قيل فأيّ الناس شرّ؟ قال : من طال عمره وساء عمله وروى ابن جرير الطبري بسنده عن الأسود قال : قال عبد الله : ما من نفس برة ولا فاجرة إلّا والموت خير لها. وقرأ : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) وقرأ (نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ) وقال ابن الأنباري قال جماعة من أهل العلم أنزل الله عزوجل هذه الآية في قوم يعاندون الحق سبق في علمه أنهم لا يؤمنون فقال إنما نملي لهم ليزدادوا إثما بمعاندتهم الحق وخلافهم الرسول وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا رأيت الله يعطي على المعاصي فإن ذلك استدراج من الله لخلقه ثم تلا هذه الآية وقال الزجاج هؤلاء قوم أعلم الله نبيه صلىاللهعليهوسلم أنهم لا يؤمنون أبدا وأن نفاقهم يزيدهم كفرا وإثما وهذه الآية حجة ظاهرة على القدرية حيث أخبر الله تعالى أنه يطيل أعمار قوم ويمهلهم ليزدادوا كفرا وإثما وغيا. قوله تعالى :
(ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٩))
(ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) اختلف العلماء في سبب نزول هذه الآية فقال الكلبي قالت قريش يا محمد تزعم أن من خالفك فهو في النار والله عليه غضبان وإن من أطاعك وتبعك على دينك فهو في الجنة والله عنه راض فأخبرنا بمن يؤمن بك ومن لا يؤمن بك فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال السدي قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «عرضت على أمتي في صورها في الطين كما عرضت على آدم وأعلمت من يؤمن بي ومن يكفر بي» فبلغ ذلك المنافقين فقالوا استهزاء زعم محمدا أنه يعلم من يؤمن به ومن يكفر ممن لم يخلق بعد ونحن معه وما يعرفنا فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقام على المنبر فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال : ما بال أقوام طعنوا في علمي لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة إلّا نبأتكم به فقام عبد الله بن حذافة السهمي فقال من أبي يا رسول الله فقال حذافة فقام عمر فقال يا رسول الله رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبالقرآن إماما وبك نبيّا فاعف عنا عفا الله عنك فقال النبي صلىاللهعليهوسلم فهل أنتم منتهون فهل أنتم منتهون ثم نزل عن المنبر فأنزل الله هذه الآية. وقيل إن المؤمنين سألوا أن يعطوا آية يفرقون بها بين المؤمن والكافر فنزلت هذه الآية وقيل إن قوما من المنافقين ادعوا أن إيمانهم كإيمان المؤمنين فأظهر الله نفاقهم يوم أحد وأنزل هذه الآية واختلفوا في معنى الآية وحكمها فقال ابن عباس وأكثر المفسرين الخطاب للكفار والمنافقين والمعنى ما كان ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه يا معشر الكفار والمنافقين من الكفر والنفاق حتى يميز الخبيث من الطيب وقيل الخطاب للمؤمنين والمعنى ما كان الله ليذركم يا معشر المؤمنين على ما أنتم عليه من اختلاط المؤمن بالمنافق والتباس بعضهم ببعض حتى يميز الخبيث من الطيب يعني المنافق من المؤمن الخالص فيميز الله المؤمنين من المنافقين يوم أحد فأظهر المنافقون النفاق وتخلفوا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقيل : إنما حصل التمييز يوم أحد بإلقاء الجميع في الخوف والقتل والهزيمة فمن كان مؤمنا ثبت على إيمانه وتصديقه ولم يتزلزل ومن كان منافقا ظهر نفاقه وكفره وقيل في معنى الآية حتى يميز المؤمن من الكافر بالجهاد والهجرة. وقيل في معنى الآية ما كان الله ليذر المؤمنين في أصلاب الرجال المشركين وأرحام النساء المشركات. والمعنى ما كان الله ليدع أولادكم الذين جرى لهم الحكم بالإيمان على ما أنتم عليه من الشرك حتى يميز الخبيث من الطيب يعني يفرق بينكم وبين من في أصلابكم وأرحام نسائكم من المؤمنين فيحكم لأهل الإيمان بالجنة ولأهل الشرك والكفر والنفاق بالنار (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) الخطاب في قوله ليطلعكم لكفار قريش الذين قالوا يا محمد أخبرنا عمن يؤمن بك ومن لا