قال هكذا وهكذا وهكذا من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله وقيل ما هم ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي زكاتها إلّا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما نفذت أخراها عادت عليه أولاها حتى يقضي بين الناس لفظ مسلم وفرقه البخاري ، بمعناه في موضعين. وقيل في معنى الآية أنه يجعل في أعناقهم أطواق من النار وقيل يكلفون يوم القيامة أن يأتوا بما بخلوا به من أموالهم في الدنيا وإن حملنا تفسير البخل على البخل بالعلم وكتمانه فقد قال ابن عباس في قوله سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة أي يحملون وزره وإثمه فيكون على طريق التمثيل كما يقال قلدتك هذا الأمر وجعلته في عنقك وقيل يجعل في رقابهم طوق من نار ويدل عليه ما روي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم من سئل علما يعلمه فكتمه ألجم بلجام من نار أخرجه الترمذي وفي رواية أبي داود من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة قيل في معنى الحديث إنهم لما سألوا عن العلم فكتموه ولم ينطقوا به بألسنتهم ولم يخرجوه من أفواههم عوضوا عن ذلك بلجام من نار في أفواههم عقوبة لهم والله أعلم.
قوله تعالى : (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يعني أنه سبحانه وتعالى الباقي الدائم بعد فناء خلقه وزوال أملاكهم فيموتون وتبقى أملاكهم فيرثها سبحانه والمقصود من الآية أنه يبطل ملك جميع المالكين ويبقى الملك لله تعالى وقيل في معنى الآية وله ما فيهما مما يتوارثه أهلهما من مال وعلم وغير ذلك ذلك فما لهؤلاء البخلاء يبخلون عليه بملكه ولا ينفقونه في سبيله (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) قرئ يعملون الياء على الغيبة على طريقة الالتفات وهي أبلغ في الوعيد والمعنى والله بما يعملون يعني البخلاء من منعهم الحقوق خبير فيجازيهم عليه وقرئ بالتاء على خطاب الحاضرين قوله عزوجل :
(لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (١٨١) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (١٨٢))
(لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) قال الحسن وقتادة لما نزلت هذه الآية من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا قالت اليهود إن الله فقير يستقرض منا ونحن أغنياء وذكر الحسن أن القائل هذه المقالة هو حيي بن أخطب وقال عكرمة والسدي ومقاتل ومحمد بن إسحاق كتب النبي صلىاللهعليهوسلم مع أبي بكر الصديق إلى يهود بني قينقاع يدعوهم إلى الإسلام وإلى إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن يقرضوا الله قرضا حسنا فدخل أبو بكر ذات يوم بيت مدراسهم فوجد ناسا كثيرا قد اجتمعوا على فنحاص بن عازوراء وكان من علمائهم ومعه حبر آخر يقال له أسبيع فقال أبو بكر لفنحاص : اتق الله وأسلم فو الله إنك لتعلم أن محمدا رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد جاءكم بالحق من عند الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة فآمن وصدق وأقرض الله قرضا حسنا يدخلك الجنة ويضاعف لك الثواب. فقال فنحاص : يا أبا بكر تزعم أن ربنا يستقرض أموالنا وما يستقرض إلّا الفقير من الغني فإن كان ما تقول حقا فإن الله إذا فقير ونحن أغنياء فغضب أبو بكر وضرب وجه فنحاص ضربة شديدة وقال والذي نفسي بيده لو لا العهد الذي بيننا وبينكم لضربت عنقك يا عدو الله فذهب فنحاص إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال : يا محمد انظر ما صنع بي صاحبك فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأبي بكر ما حملك على ما صنعت فقال يا رسول الله إن هذا عدو الله قال قولا عظيما زعم أن الله فقير وأنهم أغنياء فغضبت لله وضربت وجهه فجحد ذلك فنحاص فأنزل الله تصديقا لأبي بكر وتكذيبا لفنحاص وردا عليهم : (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) وهذه المقالة وإن كانت قد صدرت من واحد من اليهود لكنهم يرضون بمقالته هذه فنسبت إلى جميعهم ولا يخلوا أن يكونوا قالوا هذه المقالة عن اعتقاد لذلك القول أو قالوها استهزاء وأيهما كان فهذه المقالة عظيمة القبح لا تصدر عن عاقل وإنما صدرت عن كافر متمرد في كفره وضلاله (سَنَكْتُبُ ما قالُوا) يعني قولهم إن الله فقير ونحن