الجيش اسم لموضع وهو على بريد من المدينة وقولها فبعثنا البعير أي أثرناه قوله تعالى : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) هو معطوف على ما قبله والمعنى أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فطلبتم الماء لتطهروا به فلم تجدوه يعني فأعوزكم فلم تجدوه بثمن ولا بغير ثمن لأن المحدث مأمور بالتطهر بالماء فإذا أعوزه الماء عدل عنه إلى التيمم بعد طلب الماء. قال الشافعي : إذا دخل وقت الصلاة طلب الماء فإن لم يجده تيمم وصلى ثم إذا دخل وقت الصلاة الثانية وجب عليه الطلب مرة أخرى. وقال أبو حنيفة : لا يجب عليه الطلب للصلاة الثانية حجة الشافعي قوله تعالى فلم تجدوا ماء فعدم الوجدان مشعر بسبق الطلب فلا بد في كل مرة من سبق الطلب وأجمعوا على أنه لو وجد الماء لكنه يحتاج إليه لعطشه أو عطش حيوان محترم فإنه يجوز له التيمم مع وجدان ذلك الماء وقوله تعالى : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) أصل التيمم في اللغة القصد يقال تيممت فلانا إذا قصدته وهو في الشرع عبارة عن أفعال مخصوصة عند عدم الماء لتأدية الصلاة واختلفوا في الصعيد الطيب فقال قتادة الصعيد الأرض التي ليس فيها شجر ولا نبات. وقال ابن زيد الصعيد : المستوي من الأرض وكذلك قال الليث : الصعيد الأرض المستوية التي لا شيء فيها. وقال الفراء : الصعيد هو التراب وكذلك قال أبو عبيد في قوله صلىاللهعليهوسلم : «إياكم والقعود بالصعدات» قال الصعدات الطرق مأخوذ من الصعيد وهو التراب وقيل الصعيد وجه الأرض البارز وهو اختيار الزجاج قال : الصعيد وجه الأرض ولا تبال أكان في الموضع تراب أو لا لأن الصعيد ليس هو التراب إنما هو وجه الأرض ونقل الربيع عن الشافعي في تفسير الصعيد قال : لا يقع اسم الصعيد إلّا على تراب ذي غبار فأما البطحاء الغليظة والرقيقة فلا يقع عليها اسم الصعيد فإن خالطه تراب أو مدر يكون له غبار كالذي خالطه هو الصعيد قال ولا يتيمم بنورة ولا كحل ولا زرنيخ كل هذا حجارة هذا كلام الشافعي في تفسير الصعيد وهو القدوة في اللغة وقوله في ذلك حجة وقد وافقه على ذلك الفراء وأبو عبيدة في أنه التراب وجميع الأقوال في الصعيد صحيحه في اللغة لكن المراد به هنا التراب وقد قال ابن عباس في قوله صعيدا هو التراب. واختلف أهل العلم فيما يجوز به التيمم فذهب الشافعي إلى أنه يختص بما وقع عليه اسم التراب مما له غبار يعلق بالوجه واليدين لأن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا» فخص التراب بالطهور ولأن الله تعالى وصف الصعيد بالطيب والطيب من الأرض هو الذي ينبت فيها بدليل قوله والبلد الطيب يخرج نباته فعلى هذا ما لا ينبت ليس بطيب ولنا أيضا قوله تعالى في سورة المائدة فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه وكلمة من للتبعيض هنا ولا يتأتى ذلك في الصخر الذي لا تراب عليه وأيضا فإنه يقال للغبار صعيد لأنه مأخوذ من الصعود وهو الارتفاع ولا يكون ذلك في الصخر وما أشبهه. وذهب أبو حنيفة ومالك إلى أنه يجوز التيمم بكل ما هو من جنس الأرض كالرمل والجص والنورة والزرنيخ ونحو ذلك حتى لو ضرب يده على صخرة ملساء لا غبار عليها صح تيممه عندهم واحتج أبو حنيفة ومن وافقه بظاهر الآية قالوا لأن التيمم هو القصد والصعيد اسم لما تصاعد من الأرض فقوله تعالى فتيمموا صعيدا طيبا أي اقصدوا أرضا فوجب أن يكون هذا القدر كافيا وأجيب عنه بما تقدم من الدليل في قوله منه وإن لفظة من تكون للتبعيض قالوا ولما روي عن جابر أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» وأجيب عنه بأن هذا مجمل يفسره ما تقدم من حديث حذيفة في تخصيص التراب والمفسر يقضي على المجمل وجوز بعضهم التيمم بكل ما هو متصل بالأرض من شجر ونبات ومدر ونحو ذلك قالوا لأن اسم الصعيد يقع على ما تصاعد على الأرض وأجيب عنه بما تقدم من الأدلة.
وقوله تعالى : (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) الوجه المسموح في التيمم هو المجدود في الوضوء واختلف العلماء فيما يجب مسحه من اليد فذهب أكثر أهل العلم منهم ابن عمر وابنه سالم والحسن وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي أنه يمسح الوجه واليدين إلى المرفقين بضربتين وصورة ذلك أن يضرب كفيه على التراب ويمسح بهما وجهه ولا يجب إيصال التراب إلى منابت الشعور ثم يضرب ضربة أخرى ويفرق أصابعه فيمسح يديه