عليهماالسلام فلم يشغلهم الملك عن أمر النبوة والمعنى كيف يحسدون محمدا صلىاللهعليهوسلم على ما آتاه الله من فضله وقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وأنتم لا تحسدونهم. والمراد بالكتاب التوراة وبالحكمة النبوة (وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) يعني فلم يشغلهم عن النبوة فمن فسر الفضل بكثرة النساء فسر الملك العظيم في حق داود وسليمان بكثرة النساء فإنه كان لداود مائة امرأة ولسليمان ألف امرأة ثلاثمائة حرة وسبعمائة سرية ولم يكن لرسول الله صلىاللهعليهوسلم يومئذ إلّا تسع نسوة ولما لم يكن ذلك مستبعدا في حقهم ولا نقصا في نبوتهم فلا يكون مستبعدا في حق محمد صلىاللهعليهوسلم ولا نقصا في نبوته (فَمِنْهُمْ) يعني من اليهود (مَنْ آمَنَ بِهِ) أي بالنبي صلىاللهعليهوسلم وما أنزل الله إليه كعبد الله بن سلام وأصحابه (وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) أي أعرض عنه ولم يؤمن به (وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) يعني وكفى في عذاب من لم يؤمن بالنبي صلىاللهعليهوسلم سعيرا.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً) هذا وعيد من الله عزوجل للذين أقاموا على كفرهم وتكذيبهم بما أنزل الله عزوجل على محمد صلىاللهعليهوسلم من اليهود وغيرهم من سائر الكفار والمعنى إن الذين جحدوا ما أنزلت على رسولي محمد من آياتي الدالة على توحيدي وصدق رسولي محمد صلىاللهعليهوسلم سوف نصليهم نارا أي ندخلهم نارا نشويهم فيها : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ) يعني احترقت (بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) يعني غير الجلود المحترقة قال ابن عباس : يبدلون جلودا بيضاء كأمثال القراطيس. وروي أن هذه الآية قرئت عند عمر بن الخطاب فقال عمر للقارئ : أعدها فأعادها وكان عنده معاذ بن جبل فقال معاذ : عندي تفسيرها تبدل في كل ساعة مائة مرة فقال عمر : هكذا سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذكره البغوي بغير سند وقال الحسن تأكلهم النار في كل يوم سبعين ألف مرة (ق) عن أبي هريرة يرفعه ما بين منكبي الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع (م) عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ضرس الكافر أو قال ناب الكافر مثل أحد وغلظ جلده مسيرة ثلاثة أيام». فإن قلت كيف تعذب جلود لم تكن في الدنيا ولم تعص؟ قلت يعاد الجلد الأول في كل مرة وإنما قال جلودا غيرها لتبديل صفتها كما تقول صغت من خاتمي خاتما غيره ، فالثاني هو الأول غير أن الصناعة بدلت الصفة وقيل إن العذاب للجملة الحساسة وهي النفس التي عصت فإن كان كذلك فغير مستحيل إن الله يخلق للكافر في كل ساعة من الجلود ما لا يحصى لتحترق ويصل ألمها وقيل المراد بالجلود السرابيل وهو قوله : (سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ) والمعنى كلما نضجت سرابيلهم واحترقت بدلناهم سرابيل من قطران غيرها لأن الجلود لو احترقت لفنيت وفي فنائها راحتها وقد أخبر الله عنهم أنهم لا يموتون فيها ولا يخفف عنهم من عذابها ولأن الجلد أحد أجزاء الجسم فثبت أن التبديل إنما هو للسرابيل وقيل يبدل الجلد من نفس الكافر فيخرج من لحمه جلدا وقيل إن الله تعالى يلبس أهل النار جلودا لا تألم لتكون زيادة في عذابهم كلما احترق جلد بدلهم جلدا غيره.
وقوله تعالى : (لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) أي إنما فعلنا بهم ذلك ليجدوا ألم العذاب وكربه وشدته وإنما أتى بلفظ الذوق مع ما ينالهم من عظم العذاب الذي نالوه إخبارا بأن إحساسهم به في كل حال فإحساس الذائق في تجديد وجدان الذوق من غير نقصان في الإحساس (إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً) يعني في انتقامه ممن ينتقم من خلقه لا يغلبه شيء ولا يمتنع عليه أحد (حَكِيماً) يعني في تدبيره وقضائه وأنه لا يفعل إلّا ما هو الصواب.
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً (٥٧) إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (٥٨))
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ) يعني سوف ندخلهم يوم القيامة (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا ا