ولأنها تحية المجوس فيما بينهم يقولون : زه هزار سال أي عش ألف سنة أو ألف نيروز أو ألف مهرجان فهذه تحيتهم. والمعنى أن اليهود أحرص من المجوس الذين يقولون ذلك (وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ) أي بمباعده (مِنَ الْعَذابِ) أي النار (أَنْ يُعَمَّرَ) أي لو عمر طول عمره لا ينقذه من العذاب (وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) أي لا يخفى عليه خافية من أحوالهم. قوله عزوجل :
(قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٩٧))
(قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ) قال ابن عباس سبب نزول هذه الآية أن عبد الله بن صوريا حبر من أحبار اليهود قال للنبي صلىاللهعليهوسلم أي ملك يأتيك من السماء؟ قال جبريل قال ذلك عدونا ولو كان ميكائيل لآمنا بك إن جبريل ينزل بالعذاب والشدّة والخسف ، وإنه عادانا مرارا وأشد ذلك علينا أن الله أنزل على نبينا أن بيت المقدس سيخرب على يد رجل يقال له : بختنصر فلما كان زمنه بعثنا من يقتله فلقيه ببابل غلاما مسكينا ، فأخذه ليقتله فدفع عنه جبريل وقال : إن كان الله أمره بهلاككم فلن تسلط عليه وإن لم يكن هو فعلى أي حق تقتله فلما كبر ذلك الغلام وقوى غزانا وخرب بيت المقدس ، فلهذا نتخذه عدوا فأنزل الله هذه الآية وقيل : قالوا إن الله أمره أن يجعل النبوة فينا فجعلها في غيرنا فاتخذناه عدوا. وقيل إن عمر بن الخطاب كان له أرض بأعلى المدينة وكان ممره إليها على مدارس اليهود فكان يجلس إليهم ويسمع كلامهم فقالوا يوما ما في أصحاب محمد أحب إلينا منك وإنا لنطمع فيك فقال عمر والله ما آتيكم لحبكم ولا أسألكم ، لأني شاك في ديني وإنما أدخل عليكم لأزداد بصيرة في أمر محمد صلىاللهعليهوسلم وأرى آثاره في كتابكم فقالوا من صاحب محمد الذي يأتيه من الملائكة قال جبريل قالوا ذلك عدونا يطلع محمدا على سرنا وهو صاحب كل عذاب وخسف وشدة ، وإن ميكائيل يجيء بالخصب والسلامة ، فقال لهم : تعرفون جبريل وتنكرون محمدا صلىاللهعليهوسلم؟ قالوا : نعم قال فأخبروني عن منزلة جبريل وميكائيل من الله تعالى قالوا : جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره وميكائيل عدو لجبريل فقال عمر أشهد أن من كان عدوا لأحدهما كان عدوا للآخر. ومن كان عدوا لهما كان عدوا لله ثم رجع عمر إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فوجد جبريل قد سبقه بالوحي فقرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم هذه الآيات وقال : لقد وافقك ربك يا عمر ، فقال عمر : والله لقد رأيتني بعد ذلك في ديني أصلب من الحجر. والأقرب أن سبب هذه العداوة كون جبريل كان ينزل على النبي صلىاللهعليهوسلم بالوحي لأن قوله : فإنه نزله على قلبك مشعر بذلك وقوله (فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ) يعني جبريل نزل بالقرآن كناية عن غير مذكور (عَلى قَلْبِكَ) يا محمد وإنما خص القلب بالذكر لأنه محل الحفظ (بِإِذْنِ اللهِ) أي بأمره (مُصَدِّقاً) أي موافقا (لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) أي لما قبله من الكتب (وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) أي في القرآن هداية للمؤمنين إلى الأعمال الصالحة التي يترتب عليها الثواب وبشرى لهم بثوابها إذا أتوا بها.
(مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ (٩٨) وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ (٩٩) أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٠))
(مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) لما بين في الآية الأولى أن من كان عدوا لجبريل لأجل ، أنه نزل بالقرآن على قلب محمد صلىاللهعليهوسلم ، وجب أن يكون عدوا لله. لأن الله تعالى هو الذي نزله على محمد بين في هذه الآية أن كل من كان عدوا لأحد هؤلاء ، فإنه عدو لجميعهم وبين أن الله عدوه بقوله : (فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ) فأما عداوتهم لله فإنها لا تضره ولا تؤثر وعداوته لهم تؤديهم إلى العذاب الدائم ، الذي لا ضرر أعظم