نخلة جبارة إذا كانت طويلة مرتفعة لا تصل الأيدي إليها ويقال رجل جبار إذا كان طويلا عظيما قويا تشبيها بالجبار من النخل (وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها) يعني أرض الجبارين التي أمرهم الله بدخولها (حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها) حتى يخرج الجبارون من الأرض المقدسة وإنما قالوا ذلك استبعادا لخروج الجبارين من أرضهم (فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ) يعني إليها قال العلماء بالأخبار إن النقباء لما خرجوا يتجسسون الأخبار لموسى عليهالسلام ورجعوا إليه وأخبروه خبر القوم وما عاينوه منهم. قال لهم موسى : لا تخبروا بني إسرائيل بهذا فيجبنوا ويضعفوا عن قتالهم. وقيل : إن النقباء الاثني عشر لما خرجوا من أرض الجبارين قال بعضهم لبعض : لا تخبروا بني إسرائيل بما رأيتم فلما رجعوا وأخبروا موسى أمرهم أن لا تخبروا بني إسرائيل بذلك فخالفوا أمره ونقضوا العهد وأخبر كل رجل النقباء سبطه بما رأى إلا يوشع بن نون وكالب فإنهما كتما ووفيا بالعهد فلما علم بنو إسرائيل بذلك وفشا ذلك فيهم رفعوا أصواتهم بالبكاء وقالوا : ليتنا متنا في أرض مصر ولا يدخلنا الله أرضهم فتكون نساؤنا وأولادنا وأموالنا غنيمة لهم. وجعل الرجل من بني إسرائيل يقول لصاحبه : تعالوا نجعل لنا رأسا وننصرف إلى مصر فلما قال بنو إسرائيل ذلك هموا بالانصراف إلى مصر خر موسى وهارون ساجدين وخرق يوشع وكالب ثيابهما وهما اللذان أخبرنا الله عنهما بقوله :
(قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٣) قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ (٢٤) قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٢٥) قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٢٦))
(قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ) يعني يخافون الله ويراقبونه (أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمَا) يعني بالهداية والوفاء (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ) يعني قال الرجلان ، وهما يوشع بن نون وكالب بن يوفنا لبني إسرائيل ، ادخلوا على الجبارين باب مدينتهم (فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ) لأن الله وعدكم بالنصر وأن الله ينجز لكم وعده (وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) يعني يقول الرجلان لقوم موسى ثقوا بالله فإنه معكم وناصركم إن كنتم مصدقين بأن الله ناصركم لا يهولنكم عظم أجسامهم فإنا قد رأيناهم فكانت أجسامهم عظيمة وقلوبهم ضعيفة فلما قالا ذلك ، أراد بنو إسرائيل أن يرجموهما بالحجارة وعصوا أمرهما ، وقالوا : ما أخبرنا الله عنهم بقوله تعالى : (قالُوا يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً) يعني : قال قوم موسى لموسى إنا لن ندخل مدينة الجبارين أبدا يعني مدة حياتنا (ما دامُوا فِيها) يعني مقيمين فيها (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ) إنما قالوا هذه المقالة لأن مذهب اليهود التجسيم فكانوا يجوزون الذهاب والمجيء على الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا. قال بعض العلماء : إن كانوا قالوا هذا على وجه الذهاب من مكان إلى مكان فهو كفر وإن كانوا قالوه على وجه الخلاف لأمر الله وأمر نبيه فهو فسق ، وقال بعضهم : إنما قالوه على وجه المجاز. والمعنى : اذهب أنت وربك معين لك لكن قوله : فقاتلا يفسد هذا التأويل. وقال بعضهم : إنما أرادوا بقولهم وربك أخاه هارون لأنه كان أكبر من موسى والأصح أنهم إنما قالوا ذلك جهلا منهم بالله تعالى وصفاته ومنه قوله تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) (خ).
عن ابن مسعود قال : شهدت من المقداد بن الأسود مشهدا لأن أكون أنا صاحبه أحب إليّ مما عدل به أتى النبي صلىاللهعليهوسلم وهو يدعو على المشركين يوم بدر فقال يا رسول الله ألا لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ولكن امض ونحن معك فكأنه سرّي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وفي رواية : لكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك فرأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم أشرق