سورة المائدة
نزلت بالمدينة إلا قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) فإنها نزلت بعرفة في حجة الوداع والنبي صلىاللهعليهوسلم واقف بعرفة فقرأها النبي صلىاللهعليهوسلم في خطبته وقال «يا أيها الناس إن سورة المائدة من آخر القرآن نزولا فأحلوا حلالها وحرموا حرامها». فإن قلت لما خص النبي صلىاللهعليهوسلم هذه السورة من بين سور القرآن بقوله فأحلوا حلالها وحرموا حرامها وكل سور القرآن يجب أن يحل حلالها ويحرم حرامها ، قلت هو كذلك وإنما خص هذه السورة لزيادة الاعتناء بها فهو كقوله تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) فأكد اجتناب الظلم في هذه الأربعة أشهر وإن كان لا يجوز الظلم في شيء من جميع أشهر السنة وإنما أفرد هذه الأربعة الأشهر بالذكر لزيادة الاعتناء بها ، وقيل إنما خص النبي صلىاللهعليهوسلم هذه السورة لأن فيها ثمانية عشر حكما لم تنزل في غيرها من سور القرآن.
قال البغوي روي عن ميسرة قال : إن الله تعالى أنزل في هذه السورة ثمانية عشر حكما لم ينزلها في غيرها وهي قوله : (وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) وتمام بيان الطهر في قوله : «إذا قمتم إلى الصلاة ـ والسارق والسارقة ـ ولا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ـ ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام» وقوله : (شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ).
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ (١))
قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) يعني العهود قال الجماعة : واختلفوا في المراد بهذه العقود التي أمر الله تعالى بوفائها فقال ابن جريج : هذا خطاب لأهل الكتاب. والمعنى : يا أيها الذين آمنوا بالكتب المتقدمة ، أوفوا بالعقود التي عهدتها إليكم في شأن محمد صلىاللهعليهوسلم والإيمان به. وقيل : هو خطاب للمؤمنين أمرهم بالوفاء بالعقود. قال ابن عباس : هي عهود الإيمان وما أخذه على عباده في القرآن فيما أحل وحرم. وقيل هي العقود التي كانت في الجاهلية كان يعاقد بعضهم بعضا على النصرة والمؤازرة على من حاول ظلمه أو بغاه بسوء وذلك هو معنى الحلف الذي كانوا يتعاقدونه بينهم. قال قتادة : ذكر لنا أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يقول «أوفوا بعقد الجاهلية ولا تحدثوا عقدا في الإسلام».
وقيل : بل هي العقود التي يتعاقدها الناس بينهم وما يعقده الإنسان على نفسه. والعقود خمسة : عقد اليمين ، وعقد النكاح ، وعقد العهد ، وعقد البيع ، وعقد الشركة. زاد بعضهم : وعقد الحلف.