إن كنت قتلته! فحرم الله على الأرض يومئذ أن تشرب دما بعده أبدا ويروى عن ابن عباس قال لما قتل قابيل هابيل كان آدم بمكة فاشتاك الشجر وتغيرت الأطعمة وحمضت الفواكه واغبرت الأرض فقال آدم : قد حدث في الأرض حدث،فأتى الهند فوجد قابيل قد قتل هابيل ، وقيل : لما رجع آدم سأل قابيل عن أخيه،فقال : ما كنت عليه وكيلا. فقال : بل قتلته ولذلك اسود جلدك. وقيل : إن آدم مكث بعد قتل هابيل مائة سنة لا يضحك وأنه رثاه بشعر فقال :
تغيرت البلاد ومن عليها |
|
فوجه الأرض مغبّر قبيح |
تغير كل ذي طعم ولون |
|
وقل بشاشة الوجه المليح |
ويروى عن ابن عباس أنه قال : من قال إن آدم قال شعرا فقد كذب وأن محمدا صلىاللهعليهوسلم والأنبياء كلهم في النهي سواء ولكن لما قتل هابيل رثاه آدم وهو سرياني فلما قال آدم مرثيته قال لشيث : يا بني أنت وصيي احفظ هذا الكلام ليتوارث فيرثي الناس عليه فلم يزل ينتقل حتى وصل إلى يعرب بن قحطان وكان يتكلم بالعربية والسريانية وهو أول من خط العربية وكان يقول الشعر فنظر في المرثية فرد المقدم إلى المؤخر والمؤخر إلى المقدم فوزنه شعرا وزاد فيه أبياتها منها :
وما لي لا أجود بسكب دمع |
|
وهابيل تضمنه الضريح |
أرى طول الحياة عليّ غما |
|
فهل أنا من حياتي مستريح |
قال الزمخشري : ويروي أنه رثاه بشعر وهو كذب بحت وما الشعر إلا منحول ملحون وقد صح أن الأنبياء عليهمالسلام معصومون من الشعر. قال الإمام فخر الدين الرازي : ولقد صدق صاحب الكشاف فيما قال فإن ذلك الشعر في غاية الركاكة لا يليق إلا بالحمقى من المعلمين فكيف ينسب إلى من جعل الله علمه حجة على الملائكة؟.
قال أصحاب الأخبار : فلما مضى من عمر آدم مائة وثلاثون سنة وذلك بعد قتل هابيل بخمسين سنة ولدت له حواء شيئا وتفسيره هبة الله يعني أنه خلف من هابيل وعلمه الله تعالى ساعات الليل والنهار وعلمه عبادة الخلق في كل ساعة وأنزل عليه خمسين صحيفة وصار وصي آدم وولي عهده وأما قابيل فقيل له اذهب طريدا شريدا فزعا مرعوبا لا تأمن من تراه فأخذ بيد أخته إقليما وهرب بها إلى عدن من أرض اليمن فأتاه إبليس وقال له إنما أكلت النار قربان هابيل لأنه كان يعبدها فانصب أنت نارا تكون لك ولعقبك فبنى بيت النار فهو أول من عبد النار وكان قابيل لا يمر به أحد إلا رماه بالحجارة فأقبل ابن لقابيل أعمى ومعه ابنه فقال ابن الأعمى لأبيه هذا أبوك قابيل فرماه بحجارة فقتله فقال ابن الأعمى لأبيه قتلت أباك قابيل فرفع الأعمى يده ولطم ابنه فمات فقال الأعمى ويل لي قتلت أبي برميتي وقتلت ابني بلطمتي فلما مات قابيل علقت إحدى رجليه بفخذه وعلق بها فهو معلق بها إلى يوم القيامة ووجهه إلى الشمس حيث دارت وعليه حظيرة من نار في الصيف وحظيرة من ثلج في الشتاء فهو يعذب بذلك إلى يوم القيامة قالوا : واتخذ أولاد قابيل آلات للهو من الطبول والزمور والعيدان والطنابير وانهمكوا في اللهو وشرب الخمر وعبادة النار والفواحش حتى أغرقهم الله تعالى جميعا بالطوفان في زمن نوح عليهالسلام فلم يبق من ذرية قابيل أحد وأبقى الله ذرية شيث ونسله إلى يوم القيامة.
(مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (٣٢))