قال الفراء : سموا ذرية لأن آباءهم كانوا من القبط من آل فرعون وأمهاتهم من بني إسرائيل فكان الرجل يتبع أمه وأخواله في الإيمان وذلك كما يقال لأولاد فارس الذين دخلوا إلى اليمن الأبناء لأن أمهاتهم من غير جنس الآباء (عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ) الملأ : الأشراف فعلى هذا يكون معنى الآية على خوف من فرعون ومن أشرافهم ، وهم ملأ الذرية لأنه كان آباؤهم من القبط وأمهاتهم من بني إسرائيل وقيل أراد بالملإ ملأ فرعون وإنما قال سبحانه وتعالى وملئهم بالجمع وفرعون واحد على سبيل التفخيم له (أَنْ يَفْتِنَهُمْ) أي يصرفهم ويصدهم عن الإيمان وإنما قال أن يفتنهم ولم يقل أن يفتنوهم لأن قوم فرعون كانوا على مراده وتابعين لأمره (وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ) يعني أنه لغالب قهار متكبر فيها (وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) يعني من المجاوزين الحد لأنه كان عبدا فادعى الربوبية وكان كثير القتل والتعذيب لبني إسرائيل.
(وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٨٤) فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥) وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٨٦) وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٨٧) وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٨٨))
(وَقالَ مُوسى) يعني لقومه (يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا) يعني. فيه فثقوا ولأمره فسلموا فإنه ناصر أوليائه ومهلك أعدائه (إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) يعني إن كنتم مستسلمين لأمره قيل إنما أعيد قوله إن كنتم مسلمين بعد قوله إن كنتم آمنتم بالله لإرادة إن كنتم موصوفين بالإيمان القلبي وبالإسلام الظاهري ودلت الآية على أن التوكل على الله والتفويض لأمره من كمال الإيمان وأن من كان يؤمن بالله فلا يتوكل إلا على الله لا على غيره (فَقالُوا) يعني قال قوم موسى مجيبين له (عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) يعني عليه اعتمدنا لا على غيره ثم دعوا ربهم فقالوا (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) يعني لا تظهرهم علينا ولا تهلكنا بذنوبهم فيظنوا أنا لم نكن على الحق فيزدادوا طغيانا وكفرا وقال مجاهد : لا تعذبنا بعذاب من عندك فيقول قوم فرعون لو كانوا على حق لما عذبوا ويظنوا أنهم خير منا فيفتتنوا بذلك وقيل معناه لا تسلطهم علينا فيفتنونا (وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) يعني وخلصنا برحمتك من أيدي قوم فرعون الكافرين لأنهم كانوا يستعبدونهم ويستعملونهم في الأعمال الشاقة قوله عزوجل : (وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ) هارون (أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً) يعني اتخذا لقومكما بمصر بيوتا للصلاة فيها يقال تبوأ فلان لنفسه بيتا إذا اتخذه مباءة أي وطنا والمعنى اجعلا بمصر لقومكما بيوتا ترجعون إليها للصلاة والعبادة (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) اختلف أهل التفسير في معنى هذه البيوت والقبلة فمنهم من قال أراد بالبيوت المساجد التي يصلى فيها وفسروا القبلة بالجانب الذي يستقبل في الصلاة فعلى هذا يكون معنى الكلام واجعلوا بيوتكم مساجد تستقبلونها لأجل الصلاة وقيل معناه اجعلوا بيوتكم إلى القبلة.
واختلفوا في هذه القبلة ، وظاهر القرآن لا يدل على تعيينها إلا أنه قد نقل عن ابن عباس أنه قال : كانت الكعبة قبلة لموسى وهارون ، وهو قول مجاهد أيضا قال ابن عباس : قالت بنو إسرائيل لموسى لا نستطيع أن نظهر صلاتنا مع الفراعنة فأذن الله لهم أن يصلوا في بيوتهم وأن يجعلوا بيوتهم قبل القبلة وقيل كانت القبلة إلى جهة المقدس. وقيل : أراد مطلق البيوت وعلى هذا يكون معنى قوله واجعلوا بيوتكم قبلة أي مقابلة يعني يقابل بعضها بعضا وقيل معناه واجعلوا في بيوتكم قبلة تصلون إليها.