بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص. قال : فما لهم يخالفون فيقتلون النفسين بالنفس ويفقئون العينين بالعين. ومعنى الآية : أن قاتل النفس يقتل بها إذا تكافأ الدمان ومذهب الشافعي : أنه لا يقتل مسلم بكافر لما صح من حديث علي بن أبي طالب أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «لا يقتل مسلم بكافر» الحديث أخرجاه في الصحيحين وقوله تعالى : (وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) يعني تفقأ بها (وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ) يعني يجدع به (وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ) يعني تقطع بها (وَالسِّنَّ بِالسِّنِ) يعني تقلع بها وأما سائر الأطراف والأعضاء فيجري فيها القصاص كذلك ، وقوله تعالى : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) يعني فيما يمكن أن يقتص منه وهذا تعميم بعد التخصيص ، لأن الله تعالى ذكر النفس والعين والأنف والأذن فخص هذه الأربعة بالذكر ثم قال تعالى : والجروح قصاص ، على سبيل العموم فيما يمكن أن يقتص منه كاليد والرجل والذكر والأنثيين وغيرها وأما ما لا يمكن القصاص فيه كرضّ في لحم أو كسر في عظم أو جراحة في بطن يخاف منها التلف فلا قصاص في ذلك وفيه الأرش والحكومة. واعلم أن هذه الآية دالة على أن هذا الحكم كان شرعا في التوراة فمن قال شرع من قبلنا يلزمنا إلا ما نسخ منه بالتفصيل قال هذه الآية حجة في شرعنا ومن أنكره قال إنها ليست بحجة علينا وأصل هذه المسألة أن النبي صلىاللهعليهوسلم وأمته بعد البعثة هل هم متعبدون بشرع من تقدم من الأنبياء عليهمالسلام؟ فنقل عن أصحاب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي وعن أحمد في أحد الروايتين عنه أنه كان متعبدا بما صح من شرائع من قبله بطريق الوحي إليه لا من جهة كتبهم المبدلة ونقل أربابها واختار ابن الحاجب من المتأخرين هذا المذهب وهو أنه صلىاللهعليهوسلم كان بعد البعثة متعبدا بشرع من قبله فيما لم ينسخ من الأحكام الباقية قبل شريعته لكنه لم يعتبر فيه قيد الوحي وهو الحق وإلا لم يبق للنزاع معنى إذ لا ينكر أحد كون النبي صلىاللهعليهوسلم متعبدا بعد البعثة بما أوحى إليه سواء كان من شريعة من قبله أم لا وذهبت الأشاعرة والمعتزلة إلى المنع من ذلك وهو اختيار الآمدي من المتأخرين واحتج الأولون لصحة مذهبهم بأن الإجماع منعقد على صحة الاستدلال بقوله : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) الآية مع أنه من شريعة من تقدم لأنه مذكور في التوراة. ومكتوب على بني إسرائيل : ولولا أنا متعبدون بشريعة من قبلنا لما صح هذا الاستدلال ، وقوله تعالى : (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ) يعني بالقصاص فلم يقتص من الجاني (فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) في هاء له قولان : أحدهما أن الهاء في له كناية عن المجروح وولي المقتول وذلك أن المجروح أو ولي المقتول إذا تصدق بالقصاص كان ذلك كفارة لذنوبه وهذا قول ابن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص والحسن ويدل عليه ما روي عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول «ما من رجل يصاب بشيء من جسده فيتصدق به إلا رفعه الله به درجة وحط عنه به خطيئة» أخرجه الترمذي. وعن أنس قال : «ما رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم رفع إليه شيء فيه قصاص إلا أمر فيه بالعفو أخرجه أبو داود والنسائي».
والقول الثاني : أن الضمير في قوله له يعود إلى الجارح والقاتل يعني أن المجني عليه إذا عفا عن الجاني كان ذلك العفو كفارة لذنب الجاني لا يؤاخذ به في الآخرة وهذا قول ابن عباس ومجاهد ومقاتل كما أن القصاص كفارة له فأما أجر العافي ، فعلى الله تعالى.
وقوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) : يعني لأنفسهم حيث لم يحكموا بما أنزل الله عزوجل :
(وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٤٦) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤٧) وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ