يعني فإذا عجز من لزمته كفارة اليمين عن الإطعام أو الكسوة أو العتق وجب عليه صيام ثلاثة أيام وهو قوله تعالى : فصيام ثلاثة أيام ، يعني فعليه صيام ثلاثة أيام. قال الشافعي : إذا كان عنده قوته أو قوته عياله يومه وليلته وفضل ما يطعم عشرة مساكين لزمته الكفارة بالإطعام وإن لم يكن عنده هذا القدر جاز له الصيام. وقال أبو حنيفة : يجوز له الصيام إذا لم يكن عنده من المال ما تجب فيه الزكاة فجعل من لا زكاة عليه عادما. وقال الحسن : إذا لم يجد درهمين صام. وقال سعيد بن جبير : ثلاثة دراهم. واختلفوا في وجوب التتابع في الصيام عن كفارة اليمين على قولين : أحدهما : أنه يجب التتابع فيه قياسا على كفارة الظهار والقتل وهو قول ابن عباس ومجاهد وطاوس وعطاء وقتادة وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وأحد قولي الشافعي والقول الثاني : لا يجب التتابع في كفارة اليمين فإن شاء تابع وإن شاء فرق والتتابع أفضل وبه قال الحسن ومالك وهذا القول الثاني للشافعي.
المسألة الثانية : كلمة أو للتخيير بين الإطعام والكسوة والعتق فإن شاء أطعم وإن شاء كسا وإن شاء أعتق فبأيها أخذ المكفر فقد أصاب وخرج عن العهدة.
المسألة الثالثة : لا يجوز صرف شيء من الكفارات إلا إلى مسلم حر محتاج فلو صرف إلى ذمي أو عبد أو غني لا يجزيه. وجوز أبو حنيفة صرفها إلى أهل الذمة واتفقوا على أن صرف الزكاة إلى أهل الذمة لا يجوز.
المسألة الرابعة : اختلفوا في تقديم الكفارة على الحنث فذهب قوم إلى جوازه لما روي عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من حلف على يمينه فرأى خيرا منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير» أخرجه الترمذي (ق) عن عبد الرحمن بن سمرة. قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «يا عبد الرحمن لا تسأل الأمارة فإنها إن أتتك عن مسألة وكلت إليها وإن أتتك من غير مسألة أعنت عليها وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفّر عن يمينك» وهذا قول عمر وابن عباس وعائشة وعامة الفقهاء وبه قال الحسن وابن سيرين وإليه ذهب مالك والأوزاعي والشافعي. إلا أن الشافعي قال : إن كفر بالصوم قبل الحنث لا يجوز لأنه بدني إنما يجوز الطعام أو الكسوة أو العتق. وقال أبو حنيفة : لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث وقوله (ذلِكَ) إشارة إلى ما تقدم ذكره من الإطعام أو الكسوة أو العتق أو الصوم عند العجز (كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ) يعني : وحنثتم ، لأن الكفارة لا تجب بمجرد اليمين إنما تجب بالحنث بعد اليمين وفيه إشارة إلى تقديم الكفارة على اليمين لا يجوز ، بل بعد اليمين وقبل الحنث كما تقدم (وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ) يعني قللوا أيمانكم ففيه النهي عن كثرة الحلف ومنه قول الشاعر :
قليل الألايا حافظ ليمينه
وصفه بأنه لا يحلف وقيل في معنى الآية : واحفظوا أيمانكم عن الحنث إذا حلفتم لئلا تحتاجوا إلى التكفير وهذا إذا لم يحلف على ترك مندوب أو فعل مكروه فإن حلف على ذلك فالأفضل ، بل الأولى أن يحنث نفسه ويكفر لما روي عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خير منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير» أخرجاه في الصحيحين قوله تعالى : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ) يعني كما بيّن لكم كفارة أيمانكم إذا حنثتم كذلك يبين لكم جميع ما تحتاجون إليه في أمر دينكم (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) يعني نعمه التي أنعم بها عليكم أن بيّن لكم آياته ومعالم شريعته. قوله عزوجل :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١))