قلت : لأن الخطاب مع المؤمنين بدليل قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا والمقصود نهيهم عن شرب الخمر واللعب بالقمار وإنما ضم الأنصاب والأزلام إلى الخمر والميسر لتأكيد تحريم الخمر والميسر فلما كان المقصود من الآية النهي عن شرب الخمر والميسر لا جرم أفردهما بالذكر في آخر الآية والله أعلم.
قوله تعالى : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) لفظة استفهام ومعناه الأمر أي انتهوا وهذا من أبلغ ما ينهى به لأنه تعالى ذم الخمر والميسر وأظهر قبحهما للمخاطب كأنه قيل قد تدلى عليكم ما فيهما من أنواع الصوارف والموانع فهل أنتم منتهون مع هذه الأمور أم أنتم على ما كنتم عليه كأنكم لم توعظوا ولم تنزجروا؟ وفي هذه الآية دليل على تحريم شرب الخمر لأن الله تعالى قرن الخمر والميسر بعبادة الأصنام وعدّد أنواع الفساد الحاصلة بهما ووعد بالفلاح عند اجتنابهما وقال فهل أنتم منتهون ومعناه الأمر وقد صح من حديث عائشة أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «كل شراب أسكر فهو حرام» أخرجاه في الصحيحين وزاد الترمذي وأبو داود : ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام. الفرق بالتحريك إناء يسع ستة عشر رطلا ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد لن يقبل الله له صلاة أربعين صباحا فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد الرابعة لم يقبل الله له أربعين صباحا فإن تاب لم يتب الله عليه وسقاه الله من نهر الخبال» قالوا يا أبا عبد الرحمن وما نهر الخبال؟ قال : صديد أهل النار أخرجه الترمذي. وقال : حديث حسن وأخرجه النسائي وعنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه» أخرجه أبو داود.
(وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٩٢) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (٩٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (٩٤))
قوله عزوجل : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) يعني ، فيما أمركم به ونهاكم عنه (وَاحْذَرُوا) أي واحذروا مخالفة الله ومخالفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما أمركم به ونهاكم عنه (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ) يعني فإن أعرضتم عما أمركم به ونهاكم عنه (فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) وهذا وعيد وتهديد لمن أعرض عن أمر الله ونهيه كأنه قال فاعلموا أنكم بسبب توليكم وإعراضكم قد استحققتم العذاب والسخط.
قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) الآية عن البراء بن عازب قال : مات ناس من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم وهم يشربون الخمر ، فلما نزل تحريم الخمر قال ناس من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم : كيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها؟ قال : فنزلت : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) الآية أخرجه الترمذي. وقال حديث : حسن صحيح. عن ابن عباس قال : قالوا يا رسول الله أرأيت الذين ماتوا وهم يشربون الخمر لما نزل تحريم الخمر فنزلت : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) الآية أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن ومعنى الآية (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) أي لا حرج ولا إثم عليهم فيما شربوا من الخمر وأكلوا من مال القمار في وقت الإباحة قبل التحريم قال ابن قتيبة يقال : لم أطعم خبزا ولا ماء ولا نوما قال الشاعر :
فإن شئت حرمت النساء سواكم |
|
وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا |