وقوله تعالى : (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) يعني يحكم بالجزاء في قتل الصيد رجلان صالحان عدلان من أهل ملتكم ودينكم وينبغي أن يكونا فقيهين فينظران إلى أشبه الأشياء به من النعم فيحكمان به.
قال ميمون بن مهران : جاء أعرابي إلى أبي بكر الصديق ، فقال : إني أصبت من الصيد كذا وكذا فسأل أبو بكر أبي بن كعب ، فقال الأعرابي : إني أتيتك أسألك وأنت تسأل غيرك ، فقال أبو بكر : وما أنكرت من ذلك؟ قال الله تعالى : (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) فشاورت صاحبي فإذا اتفقنا على شيء أمرناك به وقوله تعالى : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) يعني أن الكفارة هدي يساق إلى الكعبة وسميت الكعبة كعبة لارتفاعها والعرب تسمي كل بيت مرتفع كعبة. وإنما أريد الكعبة ، كل الحرم لأن الذبح لا يقع في الكعبة وعندها ملاقيا لها إنما يقع في الحرم وهو المراد بالبلوغ فيذبح الهدي بمكة ويتصدق به على مساكين الحرم هذا مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة له أن يتصدق به حيث شاء إذا وصل الهدي إلى الكعبة (أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) ذهب الشافعي ومالك وأبو حنيفة إلى أن كلمة ـ أو ـ في هذه الآية للتخيير وقال أحمد وزفر من أصحاب أبي حنيفة إنها للترتيب وهما روايتان. عن ابن عباس قال الشافعي إذا قتل صيدا له مثل فهو مخير بين ثلاثة أشياء : إن شاء ذبح المثل من النعم وتصدق به على مساكين الحرم وإن شاء قوم المثل دراهم والدراهم طعاما ثم يتصدق به على مساكين الحرم وإن شاء صام عن كل مد من الطعام يوما. وقال أبو حنيفة : يصوم عن كل نصف صاع يوما. وعن أحمد روايتان كالقولين وأصل هذه المسألة أنّ الصوم مقدر بطعام اليوم فعند الشافعي مقدر بالمد وعند أبي حنيفة مقدر بنصف صاع وله أن يصوم حيث شاء لأنه لا نفع فيه للمساكين وذهب جمهور الفقهاء إلى أن الخيار في تعيين أحد هذه الثلاثة الأشياء إلى قاتل الصيد الذي وجب عليه الكفارة لأن الله أوجب عليه أحد هذه الثلاثة على التخيير فوجب أن يكون هو المخير بين أيها شاء وقال محمد بن الحسن من أصحاب أبي حنيفة التخيير إلى الحكمين لأن الله تعالى قال : (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) ومن قال : إن كلمة أو للترتيب ، قال : إن لم يجد الهدي اشترى طعاما وتصدق به فإن كان معسرا صام وقال مالك : إن لم يخرج المثل من النعم يقوّم الصيد ثم يجعل القيمة طعاما فيتصدق به أو يصوم. وقال أبو حنيفة : لا يجب المثل من النعم ، بل يقوم الصيد فإن شاء صرف تلك القيمة إلى شيء من النعم وإن شاء إلى الطعام فيتصدق به وإن شاء صام عن كل نصف صاع من بر أو صاع من غيره يوما واختلفوا في موضع التقويم فقال جمهور الفقهاء يقوم في المكان الذي قتل فيه الصيد. وقال الشعبي : يقوم بمكة بثمن مكة لأنه يصرف بها.
وقوله تعالى : (لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ) يعني جزاء ذنبه. والوبال في اللغة ، الشيء الثقيل الذي يخاف ضرره. يقال : مرعى وبيل إذا كان فيه وخامة وإنما سمى ذلك الله وبالا لأن إخراج الجزاء ثقيل على النفس لأن فيه تنقيصا للمال وهو ثقيل على النفس وكذا الصوم أيضا ثقيل على النفس لأن فيه إنهاك البدن (عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ) يعني قبل التحريم (وَمَنْ عادَ) يعني إلى قتل الصيد مرة ثانية (فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) يعني في الآخرة والانتقام المبالغة في العقوبة وهذا الوعيد لا يمنع إيجاب الجزاء في المرة الثانية والثالثة فإذا تكرر من المحرم قتل الصيد تكرر عليه الجزاء وهذا قول جمهور العلماء وقد روي عن ابن عباس والنخعي وداود الظاهري أنه إذا قتل الصيد مرة ثانية فلا جزاء عليه لأنه وعد بالانتقام منه.
قال ابن عباس : إذا قتل المحرم صيدا متعمدا سئل هل قتل شيئا من الصيد ، فإن قال نعم ، لم يحكم عليه. ويقال له : اذهب فينتقم الله منك وإن قال لم أقتل قبله شيئا ، حكم عليه ، فإن عاد بعد ذلك لم يحكم عليه ، ولكن يملأ ظهره وصدره ضربا وكذلك حكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم في صيدوج وهو واد بالطائف : (وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ) يعني ممن عصاه. وإذا أتلف المحرم شيئا من الصيد الذي لا مثل له من النعم مثل البيض وطائر صغير دون الحمام