ذلك هو أنه الله ـ تعالى ـ ولعل هذا هو المقصود من قوله ـ تبارك وتعالى ـ : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) مع التسليم بأن القرآن يقول :
(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء : ٤٤] فقد يكون رد السموات والأرض ردّا حقيقيّا لا نفهمه.
والقرآن يقرر أن الانفجار العظيم هذا تحول إلى غلالة من الدخان ، فقدر الله تعالى منه جميع أجرام السماء ، وما بقى من هذا الدخان يملأ المسافات بين هذه الأجرام ، وتم تصويره على أطراف الجزء المدرك من الكون ، ونحن نرى نجوما تتخلق أمام أنظارنا فى هذه الأيام ، من الدخان الكونى الموجود فى داخل السدم تماما كما بدأ الخلق الأول.
والعلماء التجريبيون يقولون إن عملية اتساع الكون هذه إلى الخارج لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية ؛ لأنها محصلة الانفجار الأول ، ولما كان معدل اتساع الكون اليوم أبطأ من المعدل الذى بدأ به ، فسوف يأتى على هذا الكون زمان تتساوى فيه القوتان : القوة الدافعة إلى الخارج بالانفجار ، والقوة اللامة إلى الداخل بالجاذبية ، ثم مع ضعف القوة الدافعة إلى الخارج تبدأ قوى الجاذبية فى تجميع الكون مرة أخرى فى جرم واحد مشابه تماما للجرم الابتدائى الأول الذى ابتدأ منه الخلق. ويسمى العلماء المعاصرون هذه النظرية باسم «نظرية الانسحاق الشديد ـ The Big Crunch Theory».
والقرآن يسبق العلم بألف وأربعمائة سنة ، فى الإشارة إلى تلك النبوءة العلمية وذلك بقوله تبارك وتعالى : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) [الأنبياء : ١٠٤].
وانظروا إلى روعة التعبير القرآنى (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) يعنى أن عملية خلق الكون ستعيد نفسها تماما بأمر من الله ـ تعالى ـ فسوف يعود الكون فى