وفائدته لا تحصل إلّا مع العصمة فوجب عصمته.
أمّا الأولى فإنّ خلق الشهوات والنفرات في الطبائع البشرية من مكمّلات التكليف ، بحيث يحصل الثواب التامّ بامتثال الأوامر والانزجار عن النواهي ، وإليه أشار بقوله تعالى : (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى) (١).
ومن الناس من يستصغر الكمال وحصوله في تحصيل مقتضى الشهوة ، ولا يبالي بحفظ نظام النوع لذلك ، فوجب في الحكمة وضع الخليفة ليقوّي القوّة العقلية ويساعدها على القوّة الشهوية والغضبية ، ويحمل الناس على المعروف ويزجرهم [عن] (٢) المنكر ، ويردع القوي عن الضعيف.
وهذه عناية من الله تعالى لا تختصّ بأحد ، بل تعمّ الخلائق في جميع الأصقاع والبلاد والأزمان ، ولجميع الأشخاص ، فالمطلوب منه عصمة غيره لو تمكّن من الكلّ ، فكيف لا يكون هو معصوما؟! ولا وجه لحاجة المكلّف إليه إلّا جواز الخطأ عليه ، فلو جاز عليه الخطأ لاحتاج إلى خليفة آخر ، ودار ، أو تسلسل ، وهو محال.
ولأنّ من به صلاح كلّ وجه [من] (٣) فساده يجب أن يكون [عاريا] (٤) عن كلّ وجوه المفاسد.
ولأنّ [من] (٥) المراد منه زجر الكلّ عن كلّ معصية في كلّ عصر وفي كلّ وقت ، والأمر بالطاعات كذلك ، لا بدّ وأن [يكون] (٦) معصوما ، وهو ظاهر.
وأمّا المقدّمة الثانية ؛ فلأنّه إذا لم يكن معصوما انتفت فائدته. وفعل الحكيم إذا
__________________
(١) النازعات : ٤٠.
(٢) في «أ» : (على) ، وما أثبتناه من «ب».
(٣) في «أ» و «ب» : (و) ، وما أثبتناه للسياق.
(٤) من «ب».
(٥) من «ب».
(٦) من «ب».