وكلها باحثةٌ عن اللفظ العربي من حيث ضبطه وتفسيره وتصويره وصياغته إفراداً وتركيباً.
والذي له حق التقدم من هذه العلوم المذكورة «النحو» إذ به يُعرف صواب الكلام من خطائه ويُستعان بواسطته على فهم سائر العلوم.
النحوُ يُصلِح من لسان الألكَنِ |
|
والمرء تُكرمه إذا لم يَلْحَنِ |
وإذا طلبتَ من العلوم أجلَّها |
|
فأجَلُّها نَفْعاً مُقيمُ الألسُنِ |
وسببُ وضع النحو «مع أن النطق بالإعراب سجيةُ العرب من غير تكلف(١)» كما قيل:
ولَستُ بنَحويٍّ يَلوكُ لِسانَه |
|
ولكنْ سليقيٌّ أقولُ فَأعربُ |
إن العرب لما علت كلمتهم بالإسلام، وانتشرت رايتهم في بلاد
__________________
الإنسان لجماله في دنياه، وكمال آلته في علوم دينه، وعلى حسب تقدم العالم فيه وتأخره يكون رجحانه ونقصانه إذا ناظر أو صنف.
ومعلوم أن من يطلب الترسل وقرض الشعر وعمل الخطب والمقامات كان محتاجاً لا محالة إلى التوسع في علوم اللغة العربية.
(١) كانت العرب لعهد الجاهلية تنطق بالسليقة، وتصوغ ألفاظها بموجب «قانون» تراعيه من أنفسها، ويتناوله الآخر عن الأول، والصغير عن الكبير من غير أن تحتاج في ذلك إلى وضع قواعد صناعية.
فلما جاء الإسلام واختلطت العرب بالأعاجم عرض لألسنتها اللحن والفساد فاستدعى الحال إلى استنباط مقاييس من كلامهم يرجع إليها في ضبط ألفاظ اللغة وأول ما وضع في ذلك علم النحو ، وواضعه أبو الأسود الدؤلي من بني كنانة: بأمر الإمام علي كرم الله وجهه.