أحوال المؤلّف قدسسره
قد كتب المؤلّف شطرا من أحواله في خاتمة كتابه الأنوار النعمانيّة. وإليك نصّ ما كتبه :
اعلم ـ أطال الله بقاك ـ أنّ مولد الفقير هو سنة خمسين بعد الألف ، وسنة تأليف هذا الكتاب هي السنة التاسعة والثمانون بعد الألف. فهذا العمر القليل قد مضى منه تسعة وثلاثون سنة. فانظر إلى ما أصاب صاحبه من المصائب والأهوال.
ومجمل الأحوال هو : انّه لمّا مضى من أيّام الولادة خمس سنين ، وكنت مشعوفا باللهو واللّعب الذي يتداوله الأطفال ، فكنت جالسا يوما مع صاحب لي ونحن في بعض لعب الصبيان ، إذ أقبل إليّ المرحوم والدي فقال لي : يا بنيّ امض معي إلى المعلّم وتعلّم الخطّ والكتابة حتّى تبلغ درجة الأعلام. فبكيت من هذا الكلام وقلت : هذا شيء لا يكون. فقال لي : إنّ صاحبك هذا نأخذه معنا ويكون معك يقرأ عند المعلّم. فأتى بنا إلى المكتب وأجلسنا فيه. فقرأت أنا وصاحبي حروف الهجاء.
فأتيت اليوم الآخر إلى والدتي وقلت لها : ما أريد المكتب بل أريد اللّعب مع الصبيان. فحدّثت والدي فما قبل منها. فأيست من قبوله فقلت : ينبغي أن أجعل جدّي وجهدي في الفراغ من قراءة المكتب. فما مضت أيّام قلائل حتّى ختمت القرآن وقرأت كثيرا من القصائد والأشعار في ذلك الوقت وقد بلغ العمر خمس سنين وستّة أشهر.
فلمّا فرغت من قراءة القرآن ، جئت إلى والدتي وطلبت منها اللّعب مع الصبيان. فأقبل إليّ والدي ـ تغمّده الله برحمته ـ وقال لي : يا ولدي ، خذ كتاب الأمثلة وامض معي إلى رجل يدرّسك فيها. فبكيت. فأراد إهانتي وأخذني إلى رجل أعمى ، لكنّه كان قد أحكم معرفة الأمثلة والبصرويّة وبعض الزنجانيّ. فكان يدرّسني ، وكنت أقوده بالعصا وأخدمه. وبالغت في خدمته لأجل التدريس.
فلمّا قرأت الأمثلة والبصرويّة وأردت قراءة الزنجانيّ ، انتقلت إلى رجل سيّد من أقاربنا كان يحسن الزنجانيّ والكافية فقرأت عليه. وفي مدّة قراءتي عنده ، كان يأخذني معه