كلّ يوم إلى بستانه ويعطيني منجلا ويقول لي : يا ولدي ، حشّ هذا الحشيش لبهائمنا. فكنت أحشّ له وهو جالس يتلو عليّ صيغ الصرف والإعلال والإدغام. فإذا فرغت شددت الحشيش حزمة كبيرة وحملته على رأسي إلى بيته. وكان يقول لي : لا تخبر أهلك بهذا.
فلمّا مضى فصل الحشيش وأقبل فصل رود الإبريسم ، فكنت كلّ يوم أحمل له حزمة من خشب التوت حتّى صار رأسي أقرع. فقال لي والدي رحمهالله : ما لرأسك؟ فقلت : لا أعلم. فداواني حتّى رجع شعر رأسي إلى حالته.
فلمّا فرغت من قراءة الزنجانيّ وأردت قراءة الكافية ، قصدت إلى قرية تسمّى كارون ونحن في قرية يقال لها الصباغيّة في شطّ المدك. فقرأت في تلك القرية عند رجل فاضل وأقمت عندهم. فكنت يوما في المسجد فدخل علينا رجل أبيض الثياب عليه عمامة كبيرة كأنّها قبّة صغيرة ، وهو يري الناس أنّه رجل عالم. فتقدّمت إليه وسألته بصيغة من صيغ الصرف ، فلم يردّ الجواب وتلجلج. فقلت له : إذا كنت لا تعرف هذه الصيغة ، فكيف وضعت على رأسك هذه العمامة الكبيرة؟ فضحك الحاضرون وقام الرجل من ساعته. وهذا هو الذي شجّعني على حفظ صيغ الصرف وقواعده. وأنا أستغفر الله من سؤال ذلك الرجل المؤمن ، لكنّي أحمد الله على وقوع ذلك قبل البلوغ والتكاليف. فبقيت هناك كم من شهر ومضيت إلى شطّ يقال له نهر عنتر ، لأنّي سمعت أنّ به رجلا عالما وقد كان أخي المرحوم المغفور الفاضل الصالح الورع السيّد نجم الدين يقرأ عنده. فلمّا وصلت إليه ، لقيت أخي راجعا من عنده فرجعت معه إلى قريتنا.
ثمّ قصدت قرية يقال لها شطّ بني أسد للقراءة على رجل عالم كان فيها. فبقيت هناك مدّة مديدة. ثمّ رجعت إلى قريتنا. فمضى أخي المرحوم ، وكان أكبر منّي إلى الحويزة. فقلت لوالدي : إنّي أريد السفر إلى أخي إلى الحويزة لأجل طلب العلم. فأتى بي إلى شطّ سحاب وركبنا في سفينة وأتينا من طريق ضيّق قد أحاط به القصب من الجانبين وليس فيه متّسع إلّا للسفينة. وكان الوقت حارّا. وهاج علينا من ذلك القصب بقّ كلّ واحدة منها مثل الزنبور