وأينما لدغ ورم موضعه. ذلك الطريق اسمه طريق الشريف.
وفي ذلك الطريق الضيّق رأينا جماعة من أهل الجاموس. فقصدناهم وكنّا جياعا. فخرجنا عليهم وقت العصر وفرش لنا صاحب البيت فراشا. فصار وقت المغرب. فلمّا صلّينا ، صرنا في انتظار العشاء. وما جاء لنا بشيء حتّى أتى وقت النوم واشتدّ جوعنا وأخذ النوم. فنمنا جياعا. فلمّا بقي من اللّيل بقيّة قليلة ، جاء صاحب البيت إلى قربنا وشرع ينادي جاموسه ويقول : يا صبغا ويا قرحاء هاي. فلمّا رفع صوته وسمعت الجاموس ذلك الصوت ، أقبلن إليه من بين القصب. فلمّا خرجن إليه ، سألت واحدا منهم : ما يريد هذا الرجل من هذا الجاموس؟ فقال : يريد أن يحلبهنّ ويبرّد الحليب ويطبخ لكم طعاما من الحليب والأرزّ. فقلت : إنّا لله وإنّا إليه راجعون. وأخذني النوم.
فلمّا قرب الصباح أتى بقصعة كبيرة وأيقظنا. فلم نر على وجه تلك القصعة شيئا من الأرزّ. فمددنا أيدينا فيها إلى المرافق فوقعنا على حبّات منه في قعر تلك الجفنة وشربنا من ذلك الحليب. ويا لها من ليلة ما أطولها وما كان أجوعنا فيها ، خصوصا لمّا شربنا من هذا الحليب!
فركبنا بعد طلوع الشمس وأتينا إلى الحويزة. وقد كان أخي قبلي ضيفا عند رجل من أكابرها ويقرأ في شرح الجامي عند رجل من أفاضلها. فتشاركنا في الدرس وبقينا نقرأ عنده في شرح الجاربرديّ على الشافية. وهذا الأستاد أيضا ـ رحمهالله تعالى ـ قد استخدم علينا كثيرا. واسمه الشيخ حسن بن سبتي. وكان قد عيّن على كلّ واحد منّا ، انّا إذا أردنا قضاء الحاجة أو البول ومضينا إلى جرف الشطّ ، أن يأتي كلّ واحد منّا معه بصخرتين أو آجرتين من قرب قلعة الترك. فربّما تردّدنا في اليوم إلى الشطّ مرارا وهذا حالنا. فلمّا اجتمع عنده صخر كثير ، أراد أن يبني منزله. فطلب وكنّا نحن العملة ، فبنينا له ما أراد بناه من البيوت.
وإذا مضينا معه إلى الحويزة العتيقة وأردنا الرجوع قال : يا أولادي ، تمضون وتمشون