الذين علم أنّهم لا يؤمنون بعقوبات يجعلها في قلوبهم تكون موانع من أن يفهموا ما يسمعونه. ويحتمل أيضا أن يكون سمّى الكفر الذي في قلوبهم كنّا تشبيها ومجازا وإعراضهم عن تفهّم القرآن وقرا توسّعا. لأنّ مع الكفر والإعراض لا يحصل الإيمان والفهم كما لا يحصل مع الكنّ والوقر. ونسب ذلك إلى نفسه لأنّه الذي شبّه أحدهما بالآخر. كما يقال : جعل القاضي فلانا عدلا ؛ أي : حكم عليه بذلك. (١)
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) حين تتلو القرآن. والمراد أبو سفيان والوليد والنضر وعتبة وشيبة وأبو جهل وأضرابهم ؛ اجتمعوا فسمعوا رسول الله صلىاللهعليهوآله يقرأ فقالوا [للنضر] : ما يقول؟ [فقال :] والذي جعل الكعبة بيته ، ما أدرى ما يقول إلّا أنّه يحرّك لسانه ويقول أساطير الأوّلين [مثل] ما حدّثتكم. (أَكِنَّةً) : أغطية. (أَنْ يَفْقَهُوهُ) : كراهة أن يفقهوه. (٢)
(وَقْراً). الوقر : الثقل في الأذن. (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ) ؛ أي : علامة ومعجزة دالّة على نبوّتك ، (لا يُؤْمِنُوا بِها) لعنادهم. (يُجادِلُونَكَ). يعني أنّهم إذا دخلوا عليك بالنهار ، يجيئون مجيء مخاصمين مجادلين رادّين عليك قولك ولم يجيئوا مجيء من يريد الرشاد والنظر في الأدلّة على توحيد الله ونبوّة نبيّه. (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ؛ أي : ما هذا القرآن إلّا أحاديث الأوّلين الذين كانوا يسطرونها. وقيل : معنى الأساطير الترّهات والبسابس ـ مثل حديث رستم واسفنديار ـ ممّا لا طائل تحته. وقيل : هو مثل قولهم في تحليل أكل الميتة : أتأكلون ما تقتلون بأيديكم ولا تأكلون ما قتله الله؟ (٣)
الأساطير : الأباطيل. جمع أسطار ، جمع سطر. وأصله السطر بمعنى الخطّ. (٤)
[٢٦] (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ)
(وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) ؛ أي : يتباعدون عنه فرارا عنه. عن محمّد بن الحنفيّة وابن عبّاس. أو : ينهون عن استماع القرآن لئلّا يقع في قلوبهم صحّته ويتباعدون عن استماعه.
__________________
(١) مجمع البيان ٤ / ٤٣٣.
(٢) تفسير البيضاويّ ١ / ٢٩٧.
(٣) مجمع البيان ٤ / ٤٤٣ ـ ٤٤٤.
(٤) تفسير البيضاويّ ١ / ٢٩٧.