[٢٤] (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ)
(انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا). فإن قلت : كيف صحّ أن يكذبوا حين يطّلعون على حقائق الأمور وعلى أنّ الكذب والجحود لا وجه لمنفعته؟ قلت : الممتحن ينطق بما ينفعه وما لا ينفعه من غير تمييز بينهما حيرة ودهشا. ألا تراهم يقولون : (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ). (١) وأيقنوا بالخلود ولم يشكّوا فيه. (٢)
(عَلى أَنْفُسِهِمْ). أي بنفي الشرك عنها. (٣)
(ما كانُوا يَفْتَرُونَ) ؛ أي : ضلّت عنهم أوثانهم التي كانوا يعبدونها ويفترون الكذب بقولهم : هؤلاء شفعاؤنا عند الله غدا ، فذهبت عنهم في الآخرة فلم يجدوها ولم ينتفعوا بها. (٤)
[٢٥] (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ)
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ). قال القاضي [أبو عاصم العامريّ] : أصحّ الأقوال فيه ما روي : انّ النبيّ صلىاللهعليهوآله كان يصلّي باللّيل ويقرأ القرآن في الصلاة جهرا ، رجاء أن يسمع إلى قراءته إنسان فيتدبّر معانيه ويؤمن به. وكان المشركون إذا سمعوه آذوه ومنعوه عن الجهر بالقراءة ، فكان الله يلقي عليهم النوم ويجعل في قلوبهم أكنّة ليقطعهم عنه. وذلك بعد ما بلغهم ما تقوم به الحجّة أو بعد ما علم الله أنّهم لا ينتفعون بسماعه. فشبّه إلقاء النوم عليهم بجعل الغطاء على قلوبهم والوقر على آذانهم ، لأنّ ذلك يمنعهم عن التدبّر كالوقر والغطاء. وهذا معنى قوله تعالى : (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً). (٥) ويحتمل [ذلك] وجها آخر وهو أنّه تعالى يعاقب هؤلاء الكفّار
__________________
(١) المؤمنون (٢٣) / ١٠٧.
(٢) الكشّاف ٢ / ١٣.
(٣) تفسير البيضاويّ ١ / ٢٩٧.
(٤) مجمع البيان ٤ / ٤٤١.
(٥) الإسراء (١٧) / ٤٥.