لك. فنفرت قريش من هذا القول. فقال لهم إبليس : على رسلكم حتّى آتي [على] آخر كلامي. فقالوا : ما هو؟ فقال : إلّا شريك هو لك تملكه وما يملك. ألا ترون أنّه يملك الشريك وما ملك؟ فرضوا بذلك. وكانوا يلبّون بهذا قريش خاصّة. فلمّا بعث الله رسوله ، أنكر عليهم ذلك وقال : هذا شرك. فأنزل الله : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً). (١)
(ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً). احتجّ سبحانه على عبدة الأوثان فقال : (ضَرَبَ لَكُمْ) أيّها المشركون (مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ) ؛ أي : بيّن لكم شبها لحالكم ذلك المثل من أنفسكم. [ثمّ بيّنه] فقال : (هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) أي : من عبيدكم وإمائكم (مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ) من المال والأملاك والنعم؟ أي : هل يشاركونكم في المال؟ (فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ) ؛ أي : فأنتم وشركاؤكم من عبيدكم فيما رزقناكم شرع سواء. (تَخافُونَهُمْ) أن يشاركوكم فيما ترثونه من آبائكم (كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) ؛ أي : كما يخاف الرجل الحرّ [شريكه الحرّ] في المال يكون بينهما أن ينفرد دونه بأمر فهو يخاف شريكه. يعني أنّ هذه الصفة لا يكون بين المالكين والمملوكين كما تكون بين الأحرار. ومعنى أنفسكم ها هنا أمثالكم من الأحرار. والمعنى : انّكم إذا لم ترضوا في عبيدكم أن يكونوا شركاء في أموالكم ، فكيف ترضون لربّكم أن يكون له شركاء في العبادة؟ (٢)
ومن الأولى للابتداء. لأنّ معناه : مثلا منتزعا من أحوال نفوسكم التي هي أقرب الأمور إليكم. ومن الثانية للتبعيض. والثالثة مزيدة لتأكيد الاستفهام الجاري مجرى النفي. (كَذلِكَ) : مثل هذا التفصيل. (نُفَصِّلُ الْآياتِ) : نبيّنها. فإنّ التمثيل ممّا يكشف المعاني ويوضحها. (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) : يستعملون عقولهم في تدبّر الأمثال. (٣)
(مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ) ؛ أي : ترضون أنتم فيما تملكون أن يكون لكم فيه شريك؟ وإن لم ترضوا أنتم أن يكون لكم شريك فيما تملكوه ، فكيف ترضون أن تجعلوا لي شريكا فيما
__________________
(١) تفسير القمّيّ ٢ / ١٥٤.
(٢) مجمع البيان ٨ / ٤٧٣ ـ ٤٧٤.
(٣) تفسير البيضاويّ ٢ / ٢٢٠.