(يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) أي : يخترعهم ابتداء. (ثُمَّ يُعِيدُهُ) ؛ أي : يعيدهم. فجعل سبحانه ما ظهر من ابتداء خلقه دليلا على ما خفي من إعادته ، استدلالا بالشاهد على الغائب. ثمّ أكّد ذلك بقوله : (وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) ؛ أي : هيّن. أو إنّه إنّما قال : (أَهْوَنُ) لما تقرّر في العقول أنّ إعادة الشيء أهون من ابتدائه ؛ أي : أيسر وأسهل. وهم كانوا مقرّين بالابتداء ، فكأنّه قال لهم : كيف تقرّون بما هو أصعب وتنكرون ما هو أهون عندكم؟ وقيل : الهاء في (عَلَيْهِ) يعود إلى الخلق بمعنى المخلوق. والإعادة على المخلوق أهون من النشأة الأولى ، [لأنّه إنّما يقال له في الإعادة كن فيكون وفي النشأة الأولى] كان نطفة ثمّ علقة ثمّ مضغة ثمّ عظاما ثمّ كسيت العظام لحما ثمّ نفخ فيه الروح. فهذا على المخلوق أصعب والإنشاء يكون أهون عليه. وهذا قول النحويّين. وروي مثله عن ابن عبّاس. قال : وهو أهون على المخلوق لأنّه يقول له يوم القيامة كن فيكون. (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى) ؛ أي : الصفات العليا (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). وهي أنّه لا إله إلّا هو وحده لا شريك له. لأنّها دائمة يصفه بها الثاني كما يصفه بها الأوّل. وقيل : هي [أنّه] ليس كمثله شيء. وقيل : هي جميع ما يختصّ به عزّ اسمه من الصفات العلى التي لا يشاركه فيها سواه والأسماء الحسنى التي تفيد التعظيم كالقاهر والإله. (الْعَزِيزُ) في ملكه. (الْحَكِيمُ) في خلقه. (١)
[٢٨] (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٨))
(مَثَلاً). كان سبب نزولها أنّ قريشا والعرب كانوا إذا حجّوا يلبّون وكانت تلبيتهم : لبّيك اللهمّ لبّيك لا شريك لك ، وهي تلبية إبراهيم. فجاءهم إبليس في صورة شيخ فقال : ليس هذا تلبية أسلافكم. كانوا يقولون : لبّيك اللهمّ لبّيك. لبّيك لا شريك لك إلّا شريك هو
__________________
(١) مجمع البيان ٨ / ٤٧٣.